للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بزوائد ومعانٍ يستغنى عنها، وقد بينّاها في كتاب الأحكام في نحو من عشرين فصلاً (١)، أخترت تلك الفصول بآفاق الكلام وسحبت ذيلها على جميع المقصود ولا شك إلا أن قوله تعالى: {وَإنْ كنْتُمْ جُنُباً فَاْطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} إلى قوله: {فَتَيَمَّمُوا} (٢) ان هذا الجواب يرجع إلى جميع ما تقدم من الكلام لا ترده لغة ولا يدفعه نظام قول، والشريعة تعضده والآثار الصحيحة تشهد له؛ ففي الصحيح عن عمران بن حصين، رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ، - صلى الله عليه وسلم -: "فَرَغَ مِنْ صَلَاةٍ فَنَظَرَ إِلَى رَجُلٍ لَمْ يُصَلِّ مَعَهُمْ فَقَالَ لَهُ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصلِّي مَعَنَا؟ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي كنْتُ جُنُباً، فَقَالَ لَهُ: عَلَيْكَ بِالْصَّعِيدِ" (٣). وهذا نص، فإن قيل فكيف قال عمّار لعمر، رضي الله عنه: إن شئت يا أمير المؤمنين لم أحدث به؟ قلنا: عن ذلك جوابان:

أحدهما أن عماراً ذكر أنه جرى ذلك بحضرتك يا عمر فرده عمر، رضي الله عنه، ولم يذكره فتعارض الخبران وصار ذلك كشهادتين متعارضتين في وقت واحد فإحداهما ترد الأخرى، فاستيذان عمار لعمر، رضي الله عنه، في ذكر ذلك لأنه الحاكم فإن ردها لم يفد شيئاً ولا كان لذكرها معنى وإن جوَّزها فحينئذ يدفعها وينشرها.

الثاني: ما قدمنا قبل من أن الراوي إذَا كان عنده عن النبي، - صلى الله عليه وسلم -، حديث لم يلزمه أن يذكره ولذلك كان أعيان الصحابة وكبارهم، رضي الله عنهم، لا يذكرون شيئاً مما سمعوا لأن تبليغ الأحاديث فرض على الكفاية.


(١) انظر أحكام القرآن ٢/ ٥٥٦.
(٢) سورة المائدة آية ٦.
(٣) متفق عليه أخرجه البخاري في موضعين من صحيحه في باب التيمم باب الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه من الماء ١/ ٩٣ - ٩٤ وفي الأنبياء باب علامات النبوة في الإِسلام ٤/ ٢٣٢. ومسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب قضاء الصلاة الفائتة ١/ ٤٧٤ والشافعي في مسنده ١/ ٤٣، والبغوي في شرح السنة ٢/ ١١١.

<<  <   >  >>