للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخطاب، رضي الله عنه: "أَنُّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا نَظَرَ إِلَى صُهَيْبٍ: نِعْمَ الْعَبْدُ صُهَيْبٌ لَوْ لَمْ يَخَفِ الله لَمْ يَعْصِهِ" (١) وآثارًا في ذلك سواه وأنكر ذلك الفقهاء وقالوا: إنه لولا رجاء الجنة وخوف النار ما عبد الله تعالى أحدٌ، وهو الصحيح عندي؛ لأن العبادة حظ النفس وخالصة منفعتها لا يبالي الباري عنها إذ العبادة وتركها بالإضافة إلى جلاله واحدة (٢)، ولكنه بحكمته البالغة ومشيئته النافذة جعل الدنيا دار عمل وجعل الآخرة دار جزاء، وقد صرح النبي، - صلى الله عليه وسلم -، بذلك في الحديث المتقدم: "مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ قَبْلِكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ" الحديث إلى آخره، فصرح أنها أجرة، ويكون معنى قوله احتسابًا أنه يعتد الأجرة عند الله مدخرة إلى الآخرة لا يريد أن يستعجل شيئًا منها في الدنيا؛ لأن ما يفتح الله تعالى على العبد في الدنيا من أمل وناله فيها من لذة محسوب من أجره، محاسب


= حصل المقصود فالاشتغال بالوسيلة باطل .. إلى أن قال قال بعض السلف: مَنْ عَبَدَ الله بالحب فهو زنديق، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجىء، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن. فمتى خلا القلب عن هذه الثلاث فسد فسادًا لا يرى صلاحه أبدًا، ومتى ضعف فيه شيء من هذه ضعف إيمانه بحسبه. الفتاوى ١٥/ ٢٠ - ٢١. وقال ابن القيم بعد حكايته القول السابق عن الصوفية قال: وطائفة ثانية تجعل هذا الكلام من شطحات القوم ورعوناتهم وتحتج بأحوال الأنبياء والرسل والصادقين ودعائهمِ وسؤالهم والثناء عليهم بخوفهم من النار ورجائهم للجنة كما قال تعالى في حق خواص عباده: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء: ٥٧] إلى أن قال: قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء: ٩٠] والرغب والرهب رجاء الرحمة والخوف من النار عندهم أجمعين فطلب الجنة محبوب للرب مرضي له، وطلبها عبودية للرب، والقيام بعبوديته كلها أولى من تعطيل بعضها. قالوا: وإذا خلا القلب من ملاحظة الجنة والنار ورجاء هذه والهرب من هذه فترت عزائمه وضعفت همته ووهى باعثه، وكلما كان أشد طلبًا للجنة وعملًا لها كان الباعث أقوى والهمة أشد والسعي أتم، وهذا أمر معلوم بالذوق. مدارج السالكين ٢/ ٧٦ - ٧٩.
وقال القرطبي عند قوله تعالى: {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} أمر بأن يكون الإنسان في حالة ترقب وتخوف، فالرجاء والخوف للإنسان كالجناحين للطائر يحملانه في طريق استقامه وإن انفرد أحدهما هلك الإنسان، فيدعو الإنسان خوفًا من عقابه وطمعًا في ثوابه قال الله تعالى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا}. تفسير القرطبي ٧/ ٢٢٧.
قلت: وسيأتي رد الشارح لهذا القول رحمه الله.
(١) أورده صاحب كنز العمال وعزاه لأبي عبيد في الغريب ولم يسق إسناده وقال: وقد ذكر المتأخرون من الحفاظ أنهم لم يقفوا على إسناده. كنز العمال ٣/ ٤٣٧. ولقد راجعت الغريب لأبي عبيد ولم أجده فيه.
(٢) في (م) سواء.

<<  <   >  >>