للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تقدم بيانه. فمن فضائل النهار تعاقب الملائكة ومن فضائل الليل نزول الربِّ إلى سماء الدنيا (١).

وأما سؤاله تعالى: كيف تركتم عبادي؟ فليس بسؤال استخبار فإنه أعلم بهم، وإنما هو سؤال تشريف يشرّفهم بذكرِه. قال النبي، - صلى الله عليه وسلم -، لأُبيّ بن كعب: (إِنَّ الله أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ فَقَالَ أَوَذُكرْتُ هُنَاكَ وَذَرَفتْ عَيْنَاهُ) (٢).

فقول الملائكة: تركناهم وهم يصلون، فيحب الباري تعالى أن يسمع ذكرهم بالطاعة. قال أهل الإشارة (٣): ذلك لتقوم الحجة على الملايكة حين قالوا {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} (٤).

حديث "مرُوا أَبا بَكْرٍ فَلْيُصلِّ بِالنَّاسِ" إلى آخره، قَالَتْ عَائِشَةُ لِحَفْصَةَ: إِنَّ أبا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسَيْفُ (٥)، فَمُرْ عُمَرَ، فَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ صلَّى فَأَفَاقَ النَّبِيُّ، - صلى الله عليه وسلم -، مِنْ غُمْرَتِهِ وَسَمَعَ صوْتَ عُمَر فَقَالَ: مَا هذَا؟ قِيلَ: عُمَر يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَقَالَ: يَأْبَى الله ذلِكَ والمُسْلِمُونَ، ثَلَاثَاً، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَأَعَادُوا عَلَيْهِ فَأَعَادَ عَلَيْهِمْ إِلَى أَنْ قَالَ إنكُنَّ لأنْتُنَّ صَوَاحِبَ يُوسُفَ" (٦).


(١) انظر ص ٢٨٦.
(٢) متفق عليه البخاري في تفسير سورة {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} ٦/ ٢١٦ وفي فضائل أصحاب النبي، - صلى الله عليه وسلم -، باب مناقب أبيّ بن كعب ٥/ ٤٥، ومسلم في صلاة المسافرين باب أستحباب قراءة القرآن على أهل الفضل والحذاق فيه ١/ ٥٥٠، وفي الفضائل باب فضائل أبيّ بن كعب وجماعة من الأنصار ٤/ ١٩١٥ كلاهما من رواية أنس بن مالك.
(٣) المراد عنده بأهل الإشارة أصحاب الصوفية.
(٤) سورة البقرة آية ٣٠.
قال الحافظ: قيل الحكمة فيه استدعاء شهادتهم لبني النبي آدم بالخير واستنطاقهم بما يقتضي العطف عليهم؛ وذلك لإِظهار الحكمة في خلق نوع الإِنسان في مقابلة من قال من الملائكة: {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} أي: وقد وجد فيهم من يسبح ويقدس مثلكم بنص شهادتكم. وقال عياض: هذا السؤال على سبيل التعبد للملائكة كما أمروا أن يكتبوا أعمال بني آدم، وهو سبحانه وتعالى أعلم من الجميع بالجميع. فتح الباري ٢/ ٣٦ - ٣٧.
(٥) أي سريع البكاء والحزن وقيل الرقيق. انظر شرح السيوطي علي سنن النسائي ٢/ ٩٩.
(٦) متفق عليه. أخرجه البخاري في كتاب الأذان باب أهل العلم والفضل أحق بالإِمامة ١/ ١٧٢، ومسلم في الصلاة باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما ١/ ٣١٣ - ٣١٤، والنسائي ٢/ ٩٩، والموطأ ١/ ١٧٠، ١٧١، كلهم من رواية عائشة قالت: لَمَّا دَخَل رَسُولُ اللِه، - صلى الله عليه وسلم -، بَيْتِي قَالَ: =

<<  <   >  >>