العلوم على بعض الغرض، وكان بودي أن لو أقمت هناك برد شبيبتي وأفنيت معهم بقية عمري [شواهد الحيلة ل ٣٢ ب].
وقد توجها من دمشق إلى بيت المقدس وقابل القاضي هناك شيوخه السابقين وزار بعض الأماكن ووجدها تغيرت بعده، يقول: دخلت بيت لحم سنة (٤٨٥ هـ) فرأيت في متعبدهم غارًا عليه جذع يابس كان رهبانهم يذكرون أنه جذع مريم بإجماع، فلما كان في المحرم سنة (٤٩٢ هـ). دخلت بيت لحم قبل استيلاء الروم عليه لستة أشهر فرأيت الغار في المتعبد خالياً من الجذع فسألت الرهبان عنه فقالوا نخر وتساقط. [الأحكام ص ١٢٥٢ - ١٢٥٣].
ويقول في موضع آخر: وكان صاحب مصر الملقب بالأفضل قد دخلها (أي بيت المقدس) في المحرم سنة (٤٩٢ هـ)، وحوَّلها عن أيدي العباسية، وهو حنق عليها وعلى أهلها، بحصاره لهم وقتالهم، فلما صار فيها وتدانى بالمسجد الأقصى منها وصلى ركعتين تصدّى له ابن الكازروني وقرأ {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦)} [آل عمران: ٢٦].
فما ملك نفسه حين سمعه أن قال للناس، على عظم ذنبهم وكثرة حقده عليهم:{لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}[يوسف: ٩٢]، [الأحكام ص ١٥٩٧].
ولم تطلْ إقامته، هذه المرة، ببيت المقدس وغادرها متوجهاً إلى الإسكندرية وحل فيها ضيفًا على أستاذه السابق وابن بلده، الذي لازمه بالقدس طيلة مقامه بها، وقد انتقل أبو بكر الطرطوشي إلى الإسكندرية وأصبح من الشخصيات اللامعة بها، وأحيا بها المذهب السني وحارب البدع.
وكان الطرطوشي يقدِّر تلميذه كل التقدير كما أن ابن العربي كان يقدِّر شيخه ويحترمه غاية الاحترام ويتأثر بسلوكه.
يقول ابن العربي:(وفي أثناء القفول لقيت زاهد الوقت .. بثغر الإسكندرية للقاءة الثانية وأقمت معه نتجاذب ذيول الإشكال ونختبر فصول القيل والقال). [شواهد الجلة ل ٣١ ب مخطوط الخزانة العامة بالرباط].