للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جاز الفصد إليها ولا الحجامة لأنها نجاسة تستقبل بها. قلنا. هذه الأمور الضرورية كالفصد والحجامة والقيء والرعاف، التي تأتي العبد بغير اختياره، لا يتعلق بها هذا التكليف كما لم يتعلق بالبنيان.

توحيد: قوله: فإن الله قبل وجهه الباري تعالى يتقدس عن أن يحد بالجهات (١)، أو تكتنفه الأقطار ولكن في ذلك معنيان.

أحدهما: ما قدمناه لكم من أن الله تعالى بلطفه وسابغ نعمته إذا أراد أن يكرم شيئاً من خلقه أضافه إليه أو أخبر بنفسه عنه.

والثاني: أن هذا المصلِّي قد اعتقد أنه بين يدي الله، عزّ وجلّ، كما هو، والتزم التعظيم لمن توجَّه له والبصاق إهانة فكيف يصح له أن يأتيَ بفعلٍ يناقض اعتقاده (٢).


(١) إننا لا نوافق الشيخ في هذه المسألة بل نؤمن من ذلك بما ورد عن الله وعن رسوله دون أن نكيِّف أو نؤول من ذلك شيئاً؛ ففي صحيح مسلم من حديث (مُعَاوِيةَ بْنِ الْحَكَمِ السَّلْمِي .. قَالَ: كَانَتْ لِي جَارِيَة تَرْعَى غَنَماً لِي قِيل أحد والجوانة، فَاطَّلَعْت ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّئْبُ قَدْ ذَهبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا وَأنا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ آسِفُ كَمَا يَأسفْون لكِنِّي صَكَكْتُهَا صكَّةً، فَأتيْتُ رَسُولَ اللِه, - صلي الله عليه وسلم -، فَعَظَّمَ ذلِكَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله أفلاَ أُعتِقها؟ قَالَ: إِئْتنِي بِهَا، فأتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ لَهَا: أينَ الله؟ قَالَتْ: في السَّمَاءِ، قالَ: مَنْ أَنَا؟ قَالَتْ: أنْتَ رَسُولُ الله، قَالَ: أَعتَقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَة) مسلم في كتاب المساجد باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته ١/ ٣٨٠. قال ابن القيم رحمه الله: وإذا كان العلو والفوقية صفة كمال لا نقص فيه ولا يستلزم نقصاً ولا يوجب محذوراً ولا يخالف كتاباً ولا سنة ولا إِجماعاً، فنفي حقيقتها عين الباطل. مختصر الصواعق المرسلة ٢/ ٢١٥.
وقال أبو عمر: من الحجة في أنه عَزَّ وَجَلَّ على العرش فوق السموات السبع أن الموحدين أجمعين من العرب والعجم إذا كربهم أمر أو نزل بهم شدة رفعوا أيديهم إلى السماء يستغيثون ربهم. وهذا أشهر وأعرف عبد الخاصة والعامة من أن يحتاج فيه إلى حكاية لأنه اضطرار لم يؤنبهم عليه أحد، ولا أنكره عليهم مسلم، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -، للأمة التي أراد مولاها عتقها إن كانت مؤمنة، فاختبرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بأن قال لها: أين الله؟ فأشارت إلى السماء، ثم قال لها: من أنا؟ قالت رسول الله، قال أعتقها فإنها مؤمنة، فأكتفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، منها برفعها رأسها إلى السماء واستغنى بذلك عما سواه. وأهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيِّفون شيئاً من ذلك ولا يحدّون فيه صفة محصورة. التمهيد ١/ ١٣٤.
(٢) ونقل الزرقاني عن ابن عبد البر قوله: هذا كلام خرج مخرج التعظيم لشأن القبلة، وقد نزع به بعض المعتزلة القائلين بأن الله في كل مكان وهو جهل واضح. شرح الزرقاني ١/ ٣٩٤.

<<  <   >  >>