للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخاتمة. وقد قيل لرسول الله، - صلى الله عليه وسلم -: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} (١)، فلم يبق للخشية وجه. وقد أجبنا عن هذا السؤال في الكتاب الكبير (٢)، وأقوى وجه فيه أن النبي، - صلى الله عليه وسلم -، إن كان قد أَمِن العقاب فإنه كان يخشى من العتاب (٣)، هذا جواب أهل الإشارة (٤)، وقال سائر العلماء: إنما غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر بشرط امتثاله لما أمر به واجتنابه لما نُهي عنه (٥).


(١) سورة الفتح آية (٢).
(٢) الكتاب الكبير ذكره أيضاً في المسالك على موطأ مالك ك ٢٩٥.
(٣) هذا الكلام هنا هو عيب كلامه في المسالك ل ٢٩٥ دون زيادة أو نقص، ويدل لقول الشارح قوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ}. [التوبة آية ٤٣] وقوله: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} [سورة عبس آية ١،٢] قال أبو جعفر النحاس: عفا الله عنك معناه قولان.
١ - أحدهما أنه افتتاح الكلام كما تقول أصلحك الله كان كذا وكذا.
٢ - القول الآخر وهو أولى لأن المعنى عفا الله عنك ما كان من ذنبك في أن أذنت لهم، ويدل على هذا {لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} لأنه لا يقال: لم فعلت ما أمرتك به. والأصل أن يقال: لم فعلت لأحد فعل شيئاً لم يؤمر به. إعراب القرآن للنحاس ٢/ ٢١.
وقال القرطبي: أخبره بالعفو قبل الذنب لئلا يطير قلبه فرقاً وقيل {عَفَا الله عَنْكَ} ما كان من ذنبك في أن أذنت لهم .. ونقل عن القشيري قوله: هذا عتابَ تلطف إذ قال: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ} وكان عليه السلام أذن من غير وحي نزل فيه. قال قتادة وعمرو بن ميمون: ثنتان فعلهما النبي، - صلى الله عليه وسلم -، ولم يؤمر بهما: أذنه لطائفة من المنافقين بالتخلف عنه ولم يكن له أن يمضي شيئاً إلا بوحي، وأخذه من الأسرى الفدية فعاتبه الله كما تسمعون.
قال بعض العلماء: إنما بدر منه ترك الأولى فقدم له العفو على الخطاب الذي هو صورة العتاب، القرطبي ٨/ ١٥٥.
وقال في سورة عبس: هذه الآية عتاب من الله لنبيه، - صلى الله عليه وسلم -، في إعراضه وتوليه عن عبد الله بن أم مكتوم، ونظير هذه الآية في العتاب قوله في سورة الأنعام: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} وكذلك في سورة الكهف: {وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}. القرطبي ١٩/ ٢١٢ - ٢١٤، وانظر زاد المسير ٣/ ٤٤٤، ومختصر تفسير ابن كثير ٢/ ١٤٥، وتفسير أبي السعود ٥/ ١٥٥.
(٤) هذا ما يطلقه على أهل الصوفية.
(٥) قال ابن كثير: هذا من خصائصه، - صلى الله عليه وسلم -، التي لا يشاركه فيها غيره. وليس حديث صحيح في ثواب الأعمال لغيره غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهذا فيه تشريف عظيم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو - صلى الله عليه وسلم - في جميع أموره على الطاعة والبر والاستقامة لم ينلها بشر سواه. مختصر تفسير ابن كثير ٣/ ٣٤٠.

<<  <   >  >>