للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ في السَّفَرِ) (١)، وإنما نسب المعصية إلى الصائمين، ونفى أن يكون الصوم في السفر براً في صيام رمضان. فالجواب أنا نقول قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} جملة هي أحد قسمين: القسم الأول هو قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (٢) فقسم الله تعالى في الآية الأولى المخاطبين بالصيام قسمين.

أحدهما: مريض ومسافر.

والثاني: قادر على الصيام.

وإنما تقابل هذان القسمان لأن القسم الأول معناه من كان له عذر يمنعه من الصيام، فقسم العذر بالمرض والسفر، ثم قابله بالقسم الثاني وهي الطاعة على الصوم؛ فجعل على الذي لا يقدر على الصيام عدة من أيام أخر، وجعل على القادر الفدية، إن لم يرد الصوم. قال ابن أبي ليلى (٣): يا أصحاب (٤) محمَّد إن هذه لما نزلت شق عليهم فأمروا بالفدية ثم نسخ ذلك بالآية التي بعدها، قال الله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} (٥)، معناه. فأفطر فعليه عدة من أيام أخر. ويهذا ينتظم


= صحيح، والبغوي في شرح السنة ٦/ ٣١١ والبيهقي في السنن الكبرى ٤/ ٢٤٦ كلهم من حديث جبر بن عبد الله.
(١) متفق عليه. البخاري في الصوم باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، لمن ظلل عليه واشتد الحر: (ليس مِنَ البر الصِّيامُ في السَّفَرَ) ٣/ ٤٤، ومسلم في الصيام باب جواز الصوم والفطر في رمضان للمسافر ٢/ ٧٨٦، والبغوي في شرح السنة ٦/ ٣٠٨ والبيهقي في السنن ٤/ ٢٤٢ - ٢٤٣.
كلهم من حديث جابر بن عبد الله.
(٢) سورة البقرة آية ١٨٥.
(٣) عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري المدني، ثم الكوفي، ثقة من الثانية. اختلف في سماعه من عمر، مات بوقعة الجماجم سنة ٨٦ وقيل غرق/ ع، ت ٢/ ٤٩٦، وانظر ت ت ٦/ ٢٦٠.
(٤) كذا في جميع النسخ ولعل الصواب نا أصحاب محمَّد.
(٥) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم، في الصوم باب وعلى الذين يطيقونه فدية ولفظه: وَقَال نكير حَدَّثنَا الأعمش حدثنا عمرو بن مرة حدثنا ابن أبي ليلى حدثنا أصحاب محمَّد - صلى الله عليه وسلم -: (نَزَلَ رَمَضَانُ فَشَق عَلَيْهمْ فَكَانَ مَنْ أطْعَمَ كل يَوْم مِسْكِيناً تَرَكَ الصوْمَ مِمَّنْ يَطِيقهُ ورخص لهم في ذلك فنسختها {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} فأمروا بالصوم، البخاري ٣/ ٤٥. وقد وصله البيهقي ولفظه (أُحِيلَ الصَّوْم عَلَى ثَلَاَثةِ أحْوَالٍ قَدِمَ الناس الْمَدِينَةَ وَلاَ عَهْدَ لَهُمْ بِالصِّيامِ فَكَانوا يَصومونَ ثَلاَثَةَ إيامٍ مِنْ كل شَهْرٍ حَتى نَزَلَ (شَهْر رَمَضَان) فَاسْتَكثروا ذلِكَ وَشَقَّ عَليْهِمْ فَكَانَ مَنْ أطْعَمَ مِسْكِيناً كُل يَوْم تَرَكَ الصِّيَامَ مِمنْ يطِيقُهُ رُخِّصَ لَهُمْ في في ذلِكَ) =

<<  <   >  >>