للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإحسان؛ فلما استقر هذا العموم في نصابه ظهر من الشريعة أن جزاء الصيد على المحرم وجب غرمة فمحال أن يأكل ما غرم فترجع ذمته مشغولة كما كانت وهو قياس جلىّ مخصص به العموم باتفاق، ولقد روى ابن نافع (١) إنه يجوز أكل جزاء الصيد استمراراً على العموم وتقديماً له على القياس الجلي، وقال ابن المواز: لا يأكل من هدي (٢) الفساد لأنه وجب عليه عقوبة على طريق التغليظ فكيف يخفف عنه بإباحة الأكل له فينتقض أصل التغليظ ويجتمع الضدان، وهذا أيضاً قياس جلي تخصص بمثله العموم، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه قيل له: "كَيْفَ نَصْنَعُ بِمَا عُطِبَ مِنْهَا؟ قَالَ: انْحَرْهَا وَخَلَّ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنهَا" (٣)، وبهذا تعلَّق من منع الأكل قبل بلوغ الهدي محله (٤). قلنا: لم يمنعه من الأكل ولا جرى له


(١) هو أبو محمَّد عبد الله، ويعرف بالأصغر، بن نافع بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، رضي الله عنهما، وله أخ اسمه عبد الله يعرف بالأكبر لم يكن فقيهاً. الفقيه، الثقة، المحدث، الأمين. سمع مالكاً وصحبه أربعين سنة، توفي سنة ٢١٦ هـ. شجرة النور الزكية ١/ ٥٦.
(٢) هو أبو عبد الله محمَّد بن إبراهيم الإسكندري، المعروف بابن المواز، الإِمام الفقه، الحافظ، النظار، تفقَّه بابن الماجشون وابن عبد الحكم واعتمد أصبغ وروى عن أبي زيد ابن أبي الغمر والحارث ابن مسكين ونعيم بن حماد.
ألَّف الكتاب الكبير المعروف بالموازية، وهو من أجلِّ الكتب التي ألَّفها المالكيون وأصحها وأوعبها، رجَّحه القابسي على سائر الأمهات. ولد سنة ١٨٠، ومات سنة ٢٦٩ أو ٢٨١. شجرة النور الزكية ١/ ٦٨.
(٣) الموطأ ١/ ٣٨٠ مرسلاً، والبغوي في شرح السنة ٧/ ١٩٢ من طريق مالك، وأبو داود ٢/ ٣٦٨، والترمذي ٣/ ٢٥٣ وقال: حديث ناجية حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم. قالوا في هدي التطوع: إذا عطب لا يأكل هو ولا أحد من أهل رفقته ويخلي بينه وبني الناس يأكلونه، وقد أجزأ عنه؛ وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وقالوا: إن أكل منه شيئاً غرم مقدار ما أكل منه, ورواه النسائي في الكبرى كما في التحفة ٩/ ٣، وابن ماجه ٢/ ١٠٣٦، والمستدرك ١/ ٤٤٧، وأحمد انظر الفتح الربني ١٣/ ٤٧، والبيهقي في السنن الكبرى ٥/ ٢٤٣، وابن حبان. انظر موارد الظمآن ص ٢٤٢، أقول: الحديث ورد عن أحمد والترمذي وابن ماجه عن ناجية الخزاعي وعند أبي داود والبيهقي عن ناجية الأسلمي، وكلهم يرورنه عن هشام بن عروة عن أبيه عن ناجية، ورواه مالك في الموطأ عن هشام بن عروة. عن أبيه أن صاحب هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: يا رَسُولَ الله كيف أصنعُ بِمَا عَطَبَ مِنَ الْهَدْي؟ قال الحافظ: بعد ذكر طرق هذا الحديث ولم يسم أحد منهم: والد ناجية لكن قال بعضهم الخزاعي، ويعضهم الأسلمي، ولا يبعد التعدد فقد ثبت من حديث ابن عباس أن ذؤيباً الخزاعي حدّثه أنه كان مع البدن. الإصابة ٣/ ٥٤٢.
قلت: حديث ابن عباس أن ذؤيباً حدَّثه، أخرجه مسلم في الحج باب ما يفعل بالهدي إذا عطب في الطريق ٢/ ٩٦٣.
درجة الحديث: صححه الترمذي والحاكم وابن حبان.
(٤) قال النووي: قال أصحابنا: لا يجوز للمهدي ولا لسائق هذا الهدي الأكل منه بإجماع لحديث ناجية .. =

<<  <   >  >>