للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصحابة (١) بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأنفذه، وأجارت أم هانئ (٢) فأنفذ جوارها، ويحتمل أن يكون بياناً لحكم الشريعة، ويحتمل أن يكون ذلك تجويزاً للفعل، وقد روى أهل الكوفة، منهم سفيان الثوري وغيره: (عَنْ عُمَرَ، رَضِيَ الله عَنْهُ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالاً - مِنْكُمُ يَطْلُبُونَ الْعِلْجَ حَتَّى إِذَا أَسْنَدَ في الْجَبَلِ أَمَّنَهُ بِلِسَانِهِمْ الَّذِي يَفْهَمُونَ فَإذَا قَبِلَ ذلِكَ الْعِلْجُ قَتَلَهُ وأَنَا أَقْتُلُ مَنْ فَعَلَ ذلِكَ (٣)، واختُلف في الحديث فقيل إنه لم يصح فلا يشتغل به وقيل إنما قاله عمر، رضي الله عنه، تغليظاً، كما قال في نكاح المتعة: لا أُوتِي بِرَجُلٍ إِلاَّ رَجَمْتُهُ بِالْحِجَارَةٍ (٤) وهذا بعيد لأن أبا بكر الصديق، رضي الله عنه، قد قال لعكرمة حين ولاه: لَا تُوعِدَنَّ عَلَى مَعْصِيَةٍ بِأَكْثَرٍ مِنْ عُقُوبَتِهَا (٥) فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ أَثَمْتَ وَإِنْ تَرَكْتَ كَذَبْتَ. وقيل يرجم في نكاح المتعة لإجماع الأمة (٦) عليه، ويقتل في هذا الأمان على معنى قتل المسلم بالكافر، وقد بيَّنا فساد هذا في مسائل الخلاف، وقيل إنما يقتل بالغدر بمن أمّن لما في ذلك من المعصية في الدين والمضرَّة بالمسلمين. وأما الإشارة بالأمان فهي ماضية لا خلاف أعلمه فيها إذا كانت معهودة بينهما، والإشارة تقوم مقام الكلام في كل موطن؛ ووقعت


(١) منهم زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد أجارت زوجها أبا العاص بن الربيع، روى قصتها البيهقي بسند قوي كما قال الحافظ في الإصابة ٤/ ١٢٢.
(٢) وأجارت أم هانئ بنت أبي طالب، بنت عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاختة وقيل هند وقيل فاطمة، أسلمت يوم الفتح وهرب زوجها هبيرة المخزومي إلى نجران ولها منه أولاد، تجريد أسماء الصحابة ٢/ ٢٣٧، وحديثها تقدم.
(٣) رواه عبد الرزاق عَنِ الثَّوْرِيَّ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أبِي وَائِلٍ قَالَ: كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ وَنَحْنُ بِخَانْقِينَ إِذَا حَصَرْتُمْ قَصْراً فَلاَ تَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ الله وَحُكْمِنَا وَلكِنْ انْزُلُوهُمْ عَلَى حُكْمِكُمْ ثُمَّ اقْضُوا فِيهِمْ مَا شِئْتُمْ، فَإِذَا لَقِيَ رَجُلٌ رَجُلاً فَقَالَ لَه (مَتْرَسْ) مَعْنَاهُ (بِالْفَارِسِيَّةِ لَا تَخَفْ) فَقَدْ أَمَّنَهُ وَإِذَا قَالَ لَا تَدْهَلْ (وَمَعْنَاهُ لاَ تَخَفْ) فَقَدْ أَمَّنَهُ وَإِذَا قَالَ لَا تَخَفْ فَقَدْ أمَّنَهُ فَإِنَّ الله يَعْلَمُ الْأَلْسِنَةَ. مصنف عبد الرزاق ٥/ ٢١٩، ومالك في الموطأ ٢/ ٤٤٨ عن رجل من أهل الكوفة، ورواه البيهقي في السنن الكبرى من طريق الثوري عن الأعمش مختصراً. السنن الكبرى ٩/ ٩٦، والبغوي في شرح السنة ١١/ ٩٠ مختصراً أيضاً.
درجة الحديث: صحيح.
(٤) سيأتي ذلك.
(٥) قال له ذلك حين وجَّهه إلى عمّان، أنظر عيون الأخبار لابن قتيبة ١/ ١٠٩، وأبو بكر الصديق لعلي الطنطاوي ص ٢٨٧.
(٦) قال ابن رشد: أكثر الصحابة وجميع فقهاء الأمصار على تحريمها، أي نكاح المتعة. بداية المجتهد ٢/ ٥٨، وقال ابن قدامة: هو نكاح باطل نص عليه أحمد فقال: نكاح المتعة حرام. المغني ٧/ ١٧٨.

<<  <   >  >>