والشارح، رحمه الله، معروف بدقة النظر وتحرير محل النزاع في المسائل المختلف فيها بين الأئمة: فهو إذا عرضت مسألة خِلافية يناقشها ويبين أقوال العلماء، ويعرب عن رأيه صريحاً، وأحياناً يرجِّح المذهب المالكي، وأحياناً يرجِّح غيره من المذاهب إذا ظهر له أنه الحق، يقول به ولو خالف مالكاً نفسه، وذلك في كثير من المسائل.
ففي مسألة الوضوء من مس الذكر يقول: والعجب لإمامنا، رضي الله عنه، يرويه في كتابه (أي الحديث الوارد في ذلك) ويدرسه مدى عمره ثم لا يقول به وتختلف فيه فتواه. فتارة يضعِّفه وتارة يقوِّيه وتارة يعتبر فيه الشهوة وتارة يسقطها، ونحن نقبل روايته فنقول: الحديث صحيح ولا نقبل تفريعه، فنقول: ينتقض الوضوء من مسه بقصد أو بغير قصد [القبس ١٢٠].
ويقول في الظهار: وعجباً للشافعي حيث يقول: إذا قال لها أنتِ عليّ كظهر أختي لا يكون ظهارًا وما هن أخواتهم، كما قال: ما هن أمهاتهم، والمعنى واحد. فأين الاستنباط وأين حمل النظير على النظير ثم قال تعالى:{مِنْكُم} فذهل الشافعي فقال: ظهار الذمي صحيح. [القبس ٨٧٢].
ويتعرض لمسألة أخرى اختلف فيها رأي مالك مع غيره وهي هل كان النبي صلى الله عليه وسلم، مفرداً أو متمتعاً أو قارناً.
فقد رأى مالك والشافعي أنه كان مفردًا ويرد هو هذا القول بقوله: وأما المعاني التي تعلَّق بها مالك، رضي الله عنه، والشافعي ففعل النبي، - صلى الله عليه وسلم -، يسقطها وقد كان قارناً فوجب امتثال فعله وإسقاط الاعتراضات عليه، والحق أحق أن يتبع [القبس ص ٦٤٠].
هذه بعض الأمثلة في طريقة عرضه للمسائل.
أما طريقته مع أبواب الموطّأ فهو يذكر الباب الذي ترجم به مالك، ثم بعد ذلك يقول حديث فلان. انظر مثلا ترجمة مالك في الموطّأ ١/ ١٩٣، باب النهي عن استقبال القبلة للحاجة.
قال الشارح: الحديث الأول حديث أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -: "إذا ذهب أحدكم للغائط"[القبس ٤١٥].
ثم بعد ذلك يدمج الحديث بالشرح.
وهو لا يكرر المسائل التي يتكلم عليها قبل، بل يحيل عليها سواء كانت المسألة في نفس مباحث الكتاب أو كتاب آخر له، وهذا ما جعل الباحث يجد بعض الصعوبة في