للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(ش) (١) لأنه نَيْل لذة وقضاء شهوة فصار كسائر اللذات المقتضاة جبلة، ومنهم من قال إنه قربة منهم (م) (٢)، و (ح) (٣)، وهذا هو الصحيح، والدليل عليه ما رواه البخاري وغيره أن ناساً اجتمعوا فقال بعضهم: كيف عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، في السر فلما ذُكر لهم تقالوه (فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَتَزَوَّجُ، وَقَالَ آخَرٌ: أَمَّا أَنَا فَلَا آكُلُ اللَّحْمَ، وَقَالَ الآخَرُ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ، فَبَلَغَ ذلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَأتَزَوَّجُ وَأنَامُ عَلَى الْفِرَاشِ وَآكُلُ الْلَّحْمَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنَّي) (٤) وفي الصحاح أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ عَلَيْكُمْ بِالْبَاءَةِ فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجاءٌ" (٥)، فحملهم على النكاح وندبهم إليه، وقد كانت سُنَّة من مضى الإقبال على العبادة والانقطاع عن الأهل إلا أن محمداً - صلى الله عليه وسلم -، جاء بالحنيفية السمحة فأمر بالعبادة وأذن في قضاء الشهوة حضاً على التحصين ورغبة في العفة وقطعاً للعلائق وتعرضاً لبقاء العمل إلى يوم القيامة وتحقيقاً لموعد الشارع؛ ففي بعض الآثار "تَنَاكَحُوا تَنَاسَلُوا فَإِنَّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (٦)، وهذا إن لم يكن صحيحاً ولكن معناه صحيح؛ فإن أمة محمَّد أعظم الأمم


(١) قال النووي: قال أصحابنا فيه أربعة أقسام: قسم تتوق إليه نفسه ويجد المؤن فيستحب له النكاح، وقسم لا تتوق ولا يجد المؤن فيكره له، وقسم تتوق ولا يجد المؤن فكره له وهذا مأمور بالصوم لدفع التوقان، وقسم يجد المؤن ولا تتوق .. فمذهب الشافعي وجمهور أصحابنا أن ترك النكاح لهذا والتخلي للعبادة أفضل، ولا يقال النكاح مكروه بل تركه أفضل .. شرح النووي على مسلم ٩/ ١٧٤، والروضة ٧/ ١٨، ومغني المحتاج ٢/ ١٢٥، وفتح الباري ٩/ ١٠٤.
(٢) انظر الكافي ٢/ ٥١٩، ومواهب الجليل ٣/ ٤٠٣ - ٤٠٤.
(٣) انظر شرح فتح القدير ٢/ ٣٣٩ - ٣٤٠.
(٤) متفق عليه. البخاري في النكاح باب الترغيب في النكاح ٧/ ٢، ومسلم في النكاح باب استحباب النكاح ... ٢/ ١٠٢٠ كلاهما من حديث أنس.
(٥) متفق عليه. البخاري في النكاح باب قول النبي، - صلى الله عليه وسلم -: مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وفي باب مَنْ لَم يَسْتَطِعْ الْبَاءَةَ فَلْيَصُمْ ٧/ ٣ وفي الصوم باب من خاف على نفسه العزوبة ٣/ ٣٤، ومسلم في النكاح باب استحباب النكاح ٢/ ١٠١٨ كلاهما عن عبد الله بن مسعود.
(٦) ورد عن سعيد بن أبي هلال مرسلاً عب كذا رمز له السيوطي، وهو إشارة لعبد الرزاق في الجامع، انظر الجامع الصغير مع شرحه فيض القدير ٣/ ٢٦٩، وسعيد بن أبي هلال الذي ورد عنه مرسلاً قال عنه الحافظ: سعيد ابن أبي هلال الليثى مولاهم، أبو العلاء المصري، قيل مدني الأصل، وقال ابن يونس: بل نشأ بها صدوق لم أر لابن حزم في تضعيفه سلفاً إلا أن الساجي حكى أنه اختلط من السادسة. مات بعد الثلاثين وقيل قبلها وقيل قبل ١٥٠/ ع. ت ١/ ٣٠٧، وانظر ت ت ٤/ ٩٤ - ٩٥.
وروي مسنداً قال المناوي: أسنده ابن مردويه في تفسيره عن ابن عمر وقال: قال الحافظ العراقي وسنده ضعيف، ورواه البيهقي في المعرفة وزاد في آخره: عن الشافعي بلاغاً وسند المرسل والمسند مضعف =

<<  <   >  >>