للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اشتقاق الشغار اختلاف أصحَّه أنه النكاح الخالي عن الصداق من قولهم بلد شاغر إذا كان خالياً، وهذا العقد، على هذا الوجه، لم يفسد لأنه خلا عن الصداق وإنما فسد لأنه جعل فيه صداقاً ما ليس بصداق وقوبل البضع بالبضع. فأما نكاح يعقد لا للصداق فيه ذكر فهو جائز إجماعاً، وقد قال أبو المعالي الجويني (١): إنما فسد نكاح الشغار من جهة أنه علق على شرط والنكاح لا يقبل الإغرار والإِخطار بخلاف الطلاق؛ وفيه تفصيل بيانه في المسائل وأدلته استوفيناها في مسائل الخلاف (٢).

ولعلَّ الإِشارة إنَّما وقعت فيه إلى ما كانت الأعراب تفعله من المعاوضة بالبنات والأخوات، يعطي الرجل أخته، أو ابنته، على أن يعطيه الآخر أخته أو ابنته وقد هدم الله تعالى نكاح الجاهلية.

المسألة الثانية: ذكر نكاح السر وله صور أشدها ما لم يكن فيه شاهد، وهو الذي يرجم فاعله إذا عثر عليه فادعاه ولم يثبته. فأما إذا وقعت الشهادة عليه وتواصوا بكتمانه فقد اختلف فيه علماؤنا، والصحيح جوازه لأن الله تعالى جعل الشهادة غاية الإعلام، وقد يكون التواصي بالكتمان لغرض لا يعود إلى النكاح فلا يقدح ذلك فيه، وأحاديث الإعلان بالنكاح والضرب عليه بالدفِّ لم يصح منها شيء (٣) وقد بينَّا ذلك في شرح الصحيح.


= حكاه البيهقي في المعرفة: لا أدري التفسير عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو عن ابن عمر، أو عن نافع، أو عن مالك ونسبه محرز بن عون وغيره إلى مالك. قال الخطيب: تفسير الشغار ليس من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما هو من كلام مالك وصل بالمتن المرفوع، قد بيَّن ذلك ابن مهدي والقعنبي ومحرز بن عون ثم ساقه كذلك عنهم، ورواية محرز بن عون عن الإسماعيلي والدارقطني في الموطَّآت، وأخرجه الدارقطني أيضًا من طريق خالد بن مخلد عن مالك قال: سمعت أن الشغار أن يزوج الرجل إلى آخره. وهذا دال على أن التفسير من قول مالك لا مقول له وقد وقع عند المصنف (يعني البخاري) في كتاب ترك الحيل:
من طريق عبد الله عن نافع في هذا الحديث تفسير الشغار من قول نافع ولفظه: قالَ عُبَيْدُ الله بْن عُمَرَ: قلْت لِنَافِع مَا الشِّغَارُ؟ .. فذكره فلعلَّ مالكاً أيضًا نقله عن نافع، وقال أبو الوليد الباجي: الظاهر أنه من جملة الحديث وعليه يحمل حته يتبين أنه من قول الراوي وهو نافع، قال الحافظ: قلت قد تبيَّن ذلك ولكن لا يلزم من كونه لم يرفعه ألا يكون في نفس الأمر مرفوعاً. فتح الباري ٩/ ١٦٢.
(١) تقدم.
(٢) انظر بداية المجتهد ٢/ ٤٣، وفتح الباري ٩/ ١٦٢ - ١٦٣، وشرح السنة ٩/ ٩٨.
(٣) ما قال رحمه الله حق، فقد روى الترمذي من طريق عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ محمد عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أعْلِنُوا هَذَا النكاحِ وَاجْعَلُوة في الْمَسَاجِدِ وَاضربُوا عَلَيْهِ بَالدْفوفِ"، قال أبو عيسى: هذا حديث غريب حسن وعيسى بن ميمون الأنصاري يضعف. الترمذي ٣/ ٣٩٩.
أقول: الحديث فيه عيسى بن ميمون المدني، مولى القاسم بن محمَّد، يعرف بالواسطي ويقال له ابن =

<<  <   >  >>