للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في البيع لكل واحد من المتبايعين حتى يقوما عن مجلسهما (١) وروي ذلك الدارقطني تفسيرًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (المتبايعان كل واحد منهما على صاحبه بالخيار ما لم يتفرقا عن مكانهما الذي كانا يتبايعان فيه) (٢).

وكان ابن عمر إذا بايع أحدًا قام ومشى خُطىً حتى يلزم البيع (٣).

وقد مهدنا في مسائِل الخلاف تأويلات هذا الحديث وحققناها من ثمانية أوجه منها قول مالك فيه وليس عندنا في هذا الحديث حد معروف ولا أمر معمول به إشارة إلى أن المجلس مجهول المدة ولو شرط الخيار مدة مجهولة لبطل إجماعًا فكيف يثبت حكم بالشرع بما لا يجوز شرطًا في الشرع وهذا شيء لا يتفطن إليه إلا مثل مالك فظن الجهال المتوسمون بالعلم من أصحابنا أن مالكًا إنما تعلق فيه بعمل أهل المدينة وهذه غباوة (٤).

وإنما غاص على ما قلناه. فإن قيل قد أثبت مالك خيار المجلس في التمليك قلنا الطلاق يعلق على الغرر والخطر وثبت في المجهول ومع المجهول والبيع بخلافه ولو لم يكن في هذا القبس إلا هذه المشكاة لكفاه.


(١) نقل النووي أنه قول جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم شرح النووي على مسلم ١٠/ ١٧٣ وانظر شرح السنة ٨/ ٣٩.
(٢) سنن الدارقطني ٣/ ٥ من طريق الليث أن نافعًا حدثه عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعًا أو خير أحدهما الآخر فيتبايعان على ذلك فقد وجب البيع).
قال الحافظ وقد أقدم الداودي على رد هذا الحديث المتفق على صحته بما لا يقبل منه فقال قول الليث في هذا الحديث وكانا جميعًا ليس بمحفوظ لأن مقام الليث في نافع ليس كمقام مالك ونظرائه. وهو رد لما اتفق الأئمة على ثبوته بغير مستند ثم قال وأي لوم على من روى الحديث مفسرًا لأحد محتملاته حافظًا من ذلك ما لم يحفظه غيره مع وقوع تعدد المجلس فهو محمول على أن شيخهم حدثهم به تارة مفسرًا وتارة مختصرًا. فتح الباري ٤/ ٣٣٣.
(٣) أخرجه أبو داود في سننه (٣٤٥٧) وابن ماجه (٢١٨٢) وشرح السنة ٨/ ٤٠ والحديث صححه الشيخ ناصر، انظر صحيح ابن ماجه ٢/ ١٢ وكذلك الشيخ شعيب الأرناؤوطي في تعليقه على شرح السنة.
(٤) قال الحافظ أسند إنكار ابن عبد البر وابن العربي على من زعم من المالكية أن مالكًا ترك العمل به لكون أهل المدينة على خلافه قال ابن العربي إنما لم يأخذ به مالك لأن وقت التفرق غير معلم فأشبه بيوع الغرر كالملامسة وتعقب بأنه يقول بخيار الشرط ولا يحده بوقت وما ادعاه من الغرر موجود فيه وبأن الغرر في خيار المجلس معدوم لأن كلاً منهما متمكن من إمضاء البيع أو فسخه بالقول أو بالفعل فلا غرر. فتح الباري ٤/ ٣٣٠.

<<  <   >  >>