للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الخصمين وإن كان أفهم من الآخر فإنه ليس ينبغي للحكم أن يعضده بحجته ولا أن ينبهه، على منفعة وقد قال بعض علمائنا لا بأس للقاضي أن ينبه المغفل من الخصوم على حجته ولست أراه لما بيناه وقوله (فأقضي له على نحو ما أسمع) إشارة إلى الدليل على أن القاضي لا يكون إلا عالماً خلافاً لأبي حنيفة حيث قال يجوز أن يكون جاهلاً عاقلًا فيقلد غيره ويحكم بما يقول له (١) وهذا باطل فإن الذي يفتي هو الذي يقضي وهذه الواسطة الجاهلة عناء في القضاء وقد تعلقوا في ذلك بأن عبد الرحمن بن عوف دعا عثمان بن عفان إلى البيعة على تقليد أبي بكر وعمر (٢) وعجباً لعلمائهم أن يتعلقوا بهذا المعنى الذي ليس في مسألتنا بورد ولا في صدر وأولى ما فيه الكذب فإن عبد الرحمن إنما بايع عثمان ليسير بسيرة الشيخين في اعتماد العدل والاحتياط على الخلق وإحكام الضبط لما انتشر من أمر الناس وكذلك فعل ما خالف ولا نقض كما بيناه في كتاب المشكلين. أما إنه ربما توهم متوهم أن في قول عبد الرحمن لعثمان أبايعك على سيرة الشيخين حملاً له على تقليدهما فيما سبق من أحكامهما بناء على تقليد العالم للعالم وقد بينا أن ذلك جائز في مسائل الأصول عند الحاجة إلى ذلك وضيق الوقت.

فأما مع الإطلاق والاسترسال وفي كل نازلة تقع فإنه ممنوع إجماعاً. وقوله (فأقضي له على نحو ما أسمع) مما تعلق به أصحاب أبي حنيفة في الامتناع من القضاء على الغائب لأنه إذا لم يسمع كلامه لمن يقضي أو بم يقضي (٣) وقد روى أبو داود وغيره عن علي رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي حين أرسله إلى اليمن: (لا تقضِ على أحد الخصمين حتى تسمع من الآخر فإنك يعني إن فعلت لا تدري بم ........................


(١) وذلك فيما إذا لم يوجد المجتهد أما إن وجد فهو الأولى وتجويزهم كون القاضي مقلد التعذر وجود المجتهد في كل زمن وفي كل بلد، انظر الهداية ٣/ ٧٤، ورد المحتار ٤/ ٣١٨، وشرح السنة ١٠/ ١٢٢.
(٢) قصة استخلاف عثمان واردة في الصحيح فقد روى البخاري بسنده إلى المسور بن مخرمة أن الرهط الذين ولاهم عمر اجتمعوا فتشاوروا فقال لهم عبد الرحمن لست بالذي أنافسكم على هذا الأمر ولكنكم إن شئتم اخترت لكم منكم فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن فلما ولوا عبد الرحمن أمرهم فمال الناس على عبد الرحمن حتى ما أرى أحد من الناس يتبع أولئك الرهط ولا يطأ عقبه ومال الناس على عبد الرحمن يشاورونه تلك الليالي حتى كانت الليلة التي أصبحنا منها فبايعنا عثمان .... البخاري في كتاب الأحكام باب كيف يبايع الإمام الناس. البخاري مع الفتح ١٣/ ١٩٣.
(٣) قال في الكتاب ولا يقضي القاضي على غائب إلا أن يحضر من يقوم مقامه. انظر اللباب في شرح الكتاب ٤/ ٨٨ وقال الحافظ قال ابن أبي ليلى وأبو حنيفة لا يقضي على غائب مطلقاً. فتح الباري ١٣/ ١٧١.

<<  <   >  >>