للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النبي - صلى الله عليه وسلم - قضي بكونه للفراش صحيح وأما قوله بثبوت النسب فباطل لأن عبدا ادعى شيئين أحدهما الأخوة والثاني في ولادة الفراش فلو قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - هو أخوك الولد للفراش لكان إثباتاً للحكم ونفياً للعلة بيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عدل عن الأخوة ولم يتعرض لها وأعرض عن النسب ولم يصرح به وإنما قال هو لك معناه فأنت أعلم به وقد مهدنا ذلك في مسائل الخلاف والحارث بن كلدة (١) لم يدع زياداً ولا كان إليه منسوباً وإنما كان ابن أمته ولد على فراشه أي في داره وكل من ادعاه فهو له إلا أن يعارضه من هو أولى به منه فلم يكن على معاوية في ذلك مغمز بل فعل فيه الحق على مذهب مالك فإن قيل فلم أنكر عليه الصحابة قلنا لأنها مسألة اجتهاد فمن رأى أن النسب لا يلحق بالوارث الواحد أنكر ذلك وعظمه فإن قيل ولم لعنوه وكانوا يحتجون بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ملعون من انتسب إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه) (٢) قلنا إنما لعنه من لعنه لوجهين أحدهما أنه أثبت نسبه من هذا الطريق ومن لم ير لعنه لهذا لعنه لغيره وكان زياد أهلًا أن يلعن عندهم لما أحدث بعد استلحاق معاوية فإن قيل قد جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - للزنا حرمة ورتب عليه حكماً حين قال: (واحتجبي منه يا سودة) وهذا يدل على أن الزنا يتعلق به من حرمة الوطء ما يتعلق بالنكاح الصحيح هكذا قال الكوفيون ومالك في رواية ابن القاسم يساعدهم على المسألة ولا يساعدهم على دليلها من هذا الوجه وقد بيناها في كتاب النكاح وقال الشافعي العذر في أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - لسودة بالاحتجاب مع ثبوت نسبه من زمعة وصحة أخوته له بدعوى (٣) أن ذلك تعظيم لحرمة أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنهن لم يكنّ كأحد من النساء في شرفهن وفضلهن قلنا لوكان أخاها بنسب ثابت صحيح كما قلتم ويكون قول النبي - صلى الله عليه وسلم - الولد للفراش تحقيقاً للنسب لما منع - صلى الله عليه وسلم - سودة منه


(١) الحارث بن كلدة الثقفى طبيب العرب في عصره وأحد الحكماء المشهورين من أهل الطائف رحل إلى بلاد فارس رحلتين فأخذ الطب عن أهلها. مولده قبل الإِسلام ولقي أيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأيام أبي بكر وعمر وعثمان وعلى ومعاوية واختلفوا في إسلامه وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر من به علة أن يأتيه فيتطب عنده. الأعلام ٢/ ١٥٩.
(٢) رواه أبو داود (٣٥٦٥) والترمذي في الوصايا (٢١٢٠) وقال حسن صحيح وابن ماجه (٢٧١٣) والبيهقي ٦/ ٢٦٤، والطيالسي (١١٢٧)، وأحمد في السند ٥/ ٢٦٧ من طريق إسماعيل بن عياش ثنا شرحبيل بن مسلم الخولاني عن أبي أمامة. وحسنه الحافظ في التلخيص ٣/ ٩٢ ونقل المبارك فورى عنه قوله في الفتح في إسناده إسماعيل بن عياش وقد قوي حديثه إذ روى عن الشاميين جماعة من الأئمة منهم أحمد والبخارى وهذا من وراته عن الشاميين لأنه رواه عن شرحبيل بن مسلم وهو شامي ثقة وصرح في روايته بالتحديث تحفة الأحوذي ٦/ ٣١٢، وصححه الشيخ ناصر في الإرواء ٦/ ٨٧، وفي صحيح ابن ماجه (٢١٩٣).
(٣) في ت وك بعد هذا عبارة ليست واضحة وفي ج غير أن ذلك.

<<  <   >  >>