هذا الأخير ويقول له:«كل هذا أودع هذا» حتى ورد عليه شاب يهودي أندلسي فقربه وخف عليه وأشهده أكله فكان إذا قال اسحاق أترك هذا لا تأكله قال الاسرائيلي: نصلحه عليك. وكان زيادة الله مريضا بضيق النفس، فقدم له مرة لبن مريّب، ونهاه اسحاق عن أكله، وسهّل عليه الاسرائيلي فوافقه بالأكل فعرض له ضيق النفس حتى أشرف على الهلاك، فأرسل إلى اسحاق فقيل له: هل عندك من علاج؟ فقال قد نهيته فلم يقبل، فقيل لاسحاق: «هذه خمسمائة دينار وعالج، فأبى حتى انتهى إلى مائة مثقال فأخذها وأمر باحضار الثلج وأمره بالأكل منه حتى يمتلئ ثم قيّاه فخرج جميع اللبن الذي تجبّن ببرد الثلج، فقال اسحاق أيها الأمير لو وصل هذا اللبن إلى أنابيب رئتك ولحج فيها أهلكك بتضييقه للنفس، لكني جمدته وأخرجته قبل وصوله.
قال زيادة الله: باع اسحاق روحي في النداء، اقطعوا رزقه، فلما قطع عنه الرزق خرج إلى موضع فسيح من رحاب القيروان، ووضع هناك كرسيا ودواة وقراطيس، فكان يكتب الوصفات كل يوم فقيل لزيادة الله عرضت اسحاق للغنى، فأمر بضمه إلى السجن، فتبعه الناس هنالك، ثم أخرجه بالليل إلى نفسه، وكانت له معه حكايات ومعاتبات، حتى غضب عليه زيادة الله، وأمر بفصده من ذراعيه، وسال دمه حتى مات، وأمر بصلبه وطال مقامه مصلوبا حتى عشش في جوفه صقر.
وكان مما قال لزيادة الله في تلك الليلة: يا ملخوني والله أنك تدعى سيد العرب وما أنت لها بسيد، ولقد سقيتك منذ دهر دواء ليفعلن في عقلك، وكان زيادة الله مجنونا تسلخن ومات. وعلق بعضهم على هذه الحكاية بقوله: وخان من وجده (كذا) وليس بحكيم، وله من اسمه (أي سم ساعة) نصيب، وما نطق به في حق زيادة الله في حالة غضب وانفعال فلا يؤخذ مأخذ الجد والإقرار الذي يتحمل نتائجه صاحبه، زيادة عن أن الأطباء في القديم أو الحديث يؤخذ عليهم العهد بأن لا يشيروا على المرضى بالأدوية المضرة بالصحة أو العقل أو اعطاء السموم المهلكة.