عثمان بن المكّي الزبيدي (نسبة إلى عرش الزبدة بتوزر) التوزري، من أعلام جامع الزيتونة، عمر وتخرّج به الكثيرون.
خدم الجندية قبل عصر الاحتلال، وكان يثني عليها في دروسه بأنها تعلّم النشاط والاعتماد على النفس. وبعد تخرّجه من جامع الزيتونة تولى القضاء ببلدة توزر قبل أن يصير مدرّسا بجامع الزيتونة، وبعد الاحتلال الفرنسي بمدة قليلة بينما كان ذات يوم بالمحكمة أتوه بضابط فرنسي شاب يشتكون منه بأنه زنى، ويطلبون تنفيذ الحكم الشرعي عليه، فأذن بإقامة الحد عليه جلدا في ساحة المحكمة، وبعد التنفيذ أدرك خطورة الموقف فبارح المحكمة متوجها إلى داره وتزوّد وامتطى صهوة جواده وعزم على السفر إلى العاصمة تونس وبعد هنيهة امتلأت ساحة المحكمة بالضباط الفرنسيين سائلين عن القاضي فأجيبوا بأنه خرج ولا يدرون أين ذهب ولما وصل إلى تونس قصد منزل شيخه ورئيسه قاضي الجماعة الشيخ محمد الطاهر النيفر الذي رحّب به وسأله عن سبب قدومه فحكى له الواقعة، وطلب منه بذل الجهد لإنقاذه من هذه الورطة فوعده خيرا وبأنه في أول مقابلة له مع الباي يسوّي المشكلة بحول الله، وبرّ الشيخ بوعده وقال للباي: لي قضية أرجو من مكارمكم التفضل بفضّها فأجابه الباي: إن كان ذلك في مقدوره لا أبخل وهات ما عندك. فقال له: قضية قاضي توزر.
فأجابه بأن الفرنسيين جادون في البحث عنه وعلى كل حال أبذل ما في الوسلنجاته، وسوّيت القضية وتنوسيت وفي أول فرصة أعلم الباي قاضي الجماعة بما تمّ، فطلب منه التفكير في ضمان مورد رزقه فأجابه مستفسرا وكيف ذلك؟ فقال له بتوليته مدرّسا بجامع الزيتونة، فوافق الباي على هذا الاقتراح، وصار المترجم له مدرّسا. وكان يقرئ بنصح وبأسلوب يدني الصعب إلى الإفهام، ولكنه كان صريحا طويل اللسان، يتعرّض في دروسه لدعاوي بعضهم وتصدّره وتحكك بأمصال هؤلاء في بعض تآليفه.
يحكى أن شيخ الإسلام الحنفي أحمد بيرم دخل مرة إلى جامع الزيتونة والمترجم له بصدد إقراء درس، والتفت الطلبة هامسين: شيخ الإسلام! فزجرهم قائلا بصوت عال: اعتنوا بدرسكم، هل دخل ثور حتى يثير انتباهكم ويشغلكم؟ وسمع الكلمة شيخ الإسلام، وحدجه بنظرة منكرة، ومرّ في سبيله غاضبا حانقا، وشيخ الإسلام الحنفي إذ ذاك هو رئيس لجنة امتحان شهادة التطويع ورئيس لجنة مناظرات التدريس، ورئيس النظارة العلمية (إدارة الجامع). ولم يكن هذا الموقف وأمثاله في صالح الشيخ المترجم له بحيث أن بعض تلامذته ممن قرءوا عليه المراحل الأولى من التعليم شاركوه في مناظرة التدريس من الطبقة الأولى فنجحوا وأخفق، وتكرر هذا مرات كثيرة مدى سنين متطاولة حتى أيقن أنه لن ينجح في هاته المناظرة، ولأجل هذا صار يختم الدرس (من مواد المناظرة) بمحل شاهد لا يخلو من نبز وتعريض بأعضاء لجنة المناظرة، قال مرة في ختام الدرس أن أهل البادية كرام، وقد جربت ذلك منهم إذ نزلت مرة ضيفا على بيت منهم، فبادر أهله إلى طبخ الكسكسي>>>>>>