سريعا شريط مضيء من خلال الفقيد، فقد كان - رحمه الله - مثالا شرودا في الإخلاص لمهنته يبذل الكثير من وقته وما له لإعداد دروسه ما لا يبذله غيره، إلى هدوء في الطبع وميل إلى النكتة، وعدم مجابهة أحد بمكروه، مع عزة نفس، وسداد حكم، وأصالة رأي، وغزارة اطلاع، وذوق رفيع، مما أكسبه المحبة والاحترام لدى كل من عرفه واتصل به.
كنت عند ما التقي به يدور حديثنا غالبا حول ما صدر من كتب جديدة، أو حول بعض فترات من التاريخ التونسي، أو بعض أعلامه ومشاهيره، أو حول الآثار الإسلامية بتونس، أو حول بعض الكلمات الدخيلة في لهجتنا ومحاولة إرجاعها إلى أصولها. ولا تخلو مجالسنا من فكاهة مستملحة، أو نكتة بارعة يجيد إرسالها. وكان من المغرمين المولعين بالبحث والمطالعة، أعيره الكتب التي ليست عنده وعند ما انتقل إلى تونس شعرت بفراغ كبير حولي، وأسفت على مفارقته لنا إذ كنا منسجمين متفقين في كثير من الآراء لم يعكر صفو صداقتنا شيء.
كتبت هذه الترجمة وأنا أسيف حزين غلبني البكاء مرات وأنا مسترسل في الكتابة، رحمه الله رحمة واسعة.
ألقى محاضرات على منابر الجمعيات الثقافية في التاريخ والأدب، ونشرت له مجلة «الفكر» بعنوان «أنابيش» بحوثا لغوية في إرجاع الكلمات الدخيلة في لهجتنا إلى أصولها.
[تآليفه]
١ - تونس وفرنسا في القرن التاسع عشر (كتاب البعث ١٧) مطبعة الترقي، تونس، أفريل ١٩٥٧، ٩٤ ص، من القطع الصغير مع مقدمتين وفهرس المراجع. تناول في هذا الكتاب نظام حكم البايات وتأثير النفوذ الفرنسي في توجيه سياسة كثير من البايات، وسياسة