للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وتقاييده فأحرقت في موضع قتله وكانت خمسة وأربعين تأليفا وذلك في صبيحة يوم الثلاثاء ٢١ محرّم ٦٥٨ بمقصورة المحتسب خارج باب ينتجمي (١) ثم ندم السلطان بعد ذلك على قتله.

قال المؤرخ ابن أبي الضياف: «وتركها شنعاء في ملوك الإطلاق» (٢).

وقيل إن سبب قتله أنه وجد بين كتبه «كتاب في التاريخ» عثر فيه على ما يسيء إلى المستنصر أثار السلطان فقتله (٣).

وسواء صحّت هذه الحكاية أو تلك في سبب قتله أو لم تصح فإنها لا تفقد دلالتها في عدم احتراز ابن الأبّار من فلتات لسانه وبدوات قلمه وإن الذين ربما دسوا بين أوراقه بيتي الشعر السالفين كانوا عارفين بنفسيته وأخلاقه بحيث إذا تعمدوا الكذب والوضع لا يكذبهم ما عرف عنه من صفات وأخلاق.

ويصدق على ابن الأبّار أنه كان «غير عارف بزمانه ولا مقبل على شانه» لأنه جلب لنفسه عداوة رجال كان في غنى عنها، ولم يكن عارفا بشهوة ملوك الإطلاق في سفك دم من لا يروق لهم أو يخالفهم في الرأي الخلاف البسيط.

ولا نبرئ المستنصر من جسارته على سفك الدماء وليس ابن الأبّار هو الوحيد الذي قتله بل قتل إبراهيم (٤) اللّلياني، ودبر اغتيال ابن عصفور الأشبيلي النحوي وقد بالغ المستنصر في شناعة الانتقام فلم يقتصر على الأمر بضرب ابن الأبّار وقتله، بل أحرق شلوه مع كتبه. وما ذنب الكتب حتى تحرق؟ ! نعوذ بالله من غضب يفقد معه صاحبه رشده واتزانه وكان بوسع المستنصر الاحتفاظ بمكتبة ابن الأبّار وضمها إلى مكتبة القصر وتيسير السبيل لمن يريد الاطلاع أو النسخ وهي كتب علمية بعيدة عن السياسة، ولا تدعو إلى الانتفاض أو الثورة أو الخلاف، وبوسعه التخلص من بعض كتب قليلة تسيء إليه ولا تروق له ككتاب التاريخ - على ما قيل - وكان هذا العمل الإجرامي الجنوني من المستنصر سببا في اتلاف مؤلفات ابن الأبّار بحيث لم يبق منها إلا القليل مما نسخه بعض الآخذين عنه وسمعه منه قبل قتله.

[ثناء العلماء عليه]

قال ابن عبد الملك المراكشي: «وكان آخر رجال الأندلس براعة واتقانا وتوسعا في المعارف وافتنانا، محدّثا مكثرا ضابطا، عدلا ثقة، ناقدا يقظا، ذاكرا للتواريخ على تباين


(١) من أبواب القصبة.
(٢) الإتحاف، ١/ ١٦١ (المراجع م. ي.).
(٣) نفح الطيب ٣/ ٣٤٩.
(٤) الصحيح أنه أبو العبّاس أحمد بن ابراهيم، قتله سنة ٦٥٩، انظر: [رحلة التجاني، ٣٧١].

<<  <  ج: ص:  >  >>