اضطر للخروج من تونس مختفيا من زاوية سيدي منصور بن جردان خوفا على نفسه، وذلك أن البلاد التونسية كانت تعيش مدة علي باشا في جو من الإرهاب بحيث إن الناس كانوا لا يأمنون على أنفسهم، ويكفي علي باشا أن يتهم عنده إنسان بورود مكتوب إليه أو سلام من أبناء عمه الملتجئين بقسنطينة فيأمر بشنقه أو سجنه بدون بحث أو تحقيق، وقد وشي بالمترجم إلى الباشا أن له علاقة بأبناء عمه فعزم على الانتقام منه فعلم المترجم بذلك فخرج متنكرا منتقلا من بلد إلى بلد حتى وصل إلى طرابلس، ثم ذهب إلى إزمير فاستانبول فاستقر بها، ولقي حظوة كبرى، واجتمع بشيخ الإسلام وعلماء استانبول، وجرت بينه وبينهم مذاكرات علمية، وشاع فضله، واستقر بها زمنا لقي فيه من أهلها كرامة موفورة، وحصلت يده على ثروة عزم بها على الاستقرار نهائيا، ولما زالت الدولة الباشية وآلت إلى محمد الرشيد بن حسين باي استدعاه كتابة ليرجع إلى وطنه، وأكد عليه رغبة فيه وضنّا به أن تخسره تونس، فلما قدم تلقاه تلقيا حسنا، وقد ثقل بصره في آخر عمره.
توفي يوم الاثنين ١٧ شوال سنة ١٢١٨/ ٣٠ جانفي ١٨٠٣ ودفن من الغد خلف ضريح الإمام ابن عرفة جوار المغارة الشاذلية، ورثاه تلميذه أحمد زروق الكافي بمرثية حائية ذكر في آخرها تاريخ وفاته نقشت على ضريحه أولها:
لمثلك من خطب تنوح النوائح ... وترتاع في أغمادهن الصفائح
أريقت له دون الدموع دماؤنا ... وشقت له دون الجيوب الجوارح
[وختامها]
وقال الورى قد مات علاّمة الورى ... فأرخ (يموت العلم إن مات صالح)