ولما ولي المدرسة المنتصرية كان من أحباسها دار يسكنها شيخها، وسكنها المترجم حتى تداعت فأتى بنفسه إلى الأمير حمودة باشا وطلب منه أن يصلحها من بيت مال المسلمين حيث كان الوقف لا فاضل في ريعه لإصلاحها، فرغب منه الأمير أن يشتري له دارا تبقى لولده، ووكيل الوقف يصلح دار الوقف من فواضله فقال له: أما ولدي فالله له، وليس من حسن العهد أن نسكن دار الوقف حتى تتداعى، ثم نتركها خرابا، فراجعه الأمير فأصر على ذلك، فأمر بإصلاحها. وكان الوزير يوسف صاحب الطابع يأتي بنفسه لتفقد ترميمها عناية بصاحب الترجمة.
وكانت له حافظة قوية يكاد يحفظ كل ما يطالعه. كان يقرئ المطول وشرح عبد الباقي الزرقاني على مختصر خليل، ويمر بمحل الدرس بحانوت بعض الكتبيين، ويأتي في درسه بما لا يوجد فوقه من التحرير مما يعجز عنه بعد طول مطالعة النحارير، ونقل من حواشي المطول ما مرّ على نظره السنون.
وذكر أنه أنكر على أيمة جامع الزيتونة التزامهم تأخير صلاة الظهر، وكان إمام الخمس إذ ذاك أبا حفص عمر المحجوب، فبلغه فقال:
سبحان الله أينكر الشيخ هذا العمل، وقد قال أبو إسحاق الشاطبي في «الموافقات» إن ذلك جائز، فنقل كلامه هذا لصاحب الترجمة فقال للمخبر قل له: اقلب الورقة تجد في نهاية كلامه قوله: ما لم يتخذ ذلك عادة، وكأن الشيخ عمر المحجوب لم يستقص كلام الشاطبي مطالعة فتأمله فإذا هو كما قال صاحب الترجمة.
وقال له الأمير علي باي يوما: يا شيخ صالح قد اجتمع فيك ما تفرق في غيرك من العلم والفضل وجعل يعدد محاسنه لكن ليس لك حظ من السياسة، فأجابه صاحب الترجمة بقوله: أنا من أعلم الناس بالسياسة، غير أنكم معاشر الأمراء تريدون أن تخالفوا الشرع ونساعدكم على مخالفتكم.