سعيد بن محمد بن صبيح بن الحداد الغسّاني القيرواني، أبو عثمان، من علماء اللغة والفقه، والكلام، والجدل، مع قوة العارضة، وحضور البديهة.
صحب الإمام سحنون، وكان يطربه جدا، ويذهب في الثناء عليه كل مذهب، وسمع من غيره من شيوخ القيروان كأبي سنان يزيد بن سنان الأزدي، ورحل إلى طرابلس فسمع الحديث من أبي الحسن الكوفي، وسمع منه ابنه عبد الله، وأبو العرب التميمي وأحمد بن موسى التمار.
ولم تكن له رحلة إلى المشرق لقلة ذات يده، وإنما اثرى في شيخوخته بعد موت أحد أقاربه في صقلية وإرثه منه مالا جليلا.
وكان قليل الاشتغال بجمع الرواية والكتب، وكان يقول: إنما هو النظر والخبر، ولو دخلت المشرق ما كانت لي به حاجة غير الخبر.
مال إلى مذهب الشافعي من غير تقليد بل كثيرا ما كان يخالفه، بل كان مائلا إلى الاجتهاد، قال الخشني:«وكان مذهبه النظر والقياس والاجتهاد، لا يتحلى بتقليد أحد من العلماء، ويقول: إنما أدخل كثيرا من الناس إلى التقليد نقص العقول ودناءة الهمم، وكان يقول: القول بلا علة تعبد، والتعبد لا يكون إلا من المعبود وكان يقول: كيف يسع مثلي ممن آتاه الله فهما أن يقلد أحدا من العلماء بلا حجة ظاهرة».
وكان مبغوضا من المالكية على عهد الأغالبة، إذ نقل عنه أنه كان يسمى «المدونة المدودة»، حتى هجره أصحاب سحنون، واغروا به القاضي ابن طالب فهمّ به، ثم نشأت بينهما صحبة فكان له على بر، ومع هذا