للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

درجته. واستمر معه حب الحديث النبوي بعد ذلك حتى أنه صار عارفا بتراجم رجاله يروي الكثير من أحوالهم ومواقفهم المشهورة ونوادرهم، له اطلاع واسع على دواوين السنة، ولا يكاد يفوته معرفة درجة حديث من الأحاديث ومظان وجوده، ويروي الكثير منها في كلامه فيستنبط منها الأحكام والمقاصد، ويفسر ما فيها من غريب اللغة، وذكر لي أنه في هذا الطور طالع «رحلة التيجاني» وهي - إذ ذاك - مخطوطة لم تطبع من المكتبة الأحمدية الزيتونية، وهي ترجع بالنظر إلى شيخ الإسلام الحنفي، وكان وقتها هو الشيخ محمد بن يوسف، ولما ذهب إليه وقدم المطلب كتابيا وبإمضائه سأله عن التيجاني وفي أي عصر عاش، وعن محتوى رحلته وقيمتها، وما هو غرضه من مطالعتها؟

فأجابه عن أسئلته بما أعجب به شيخ الإسلام، وأذن في إعارة الكتاب له، وقد أثنى على أخلاق شيخ الإسلام وعلمه. وفي خلال عام ١٩٥٠ أصيب بكسر في رجله على أثر خروجه من منزل شقيقه الأستاذ محمد الطيب بسيّس (القاضي الآن والمحامي في ذلك التاريخ) في ليلة ممطرة وكان لا بسا لحذاء «كريب» فزلقت رجلاه وسقط، وسمع شقيقه السقطة والأنين فخف إلى المكان ونقله بسرعة إلى مصحة الحكيم عزيز التي لبث بها أشهرا، وبعد خروجه تبيّن بعد مدة أن عملية الجبر لم تنجح، وإن لم يبادر بتلافي الأمر يخشى منها على صحته وعلى حياته فبادر بالسفر إلى باريس للمعالجة ولبث هناك ما يقرب من خمس سنوات تعلّم خلالها اللغة الفرنسية.

وبعد رجوعه عاد إلى مباشرة مهنته وأحاديثه الإذاعية في تبسيط تفسير القرآن بما لا يعلو عن أذهان الجمهور ويستسيغه المثقفون وفي تبسيط الآداب والقيم الإسلامية.

وفي إحدى زيارات الشيخ عبد الحي الكتاني إلى تونس اجتمع به المترجم له وأجازه بجميع مروياته بخطه، والشيخ عبد الحي الكتاني كان راوية محدثا له إجازات مغربية ومشرقية واطلاع واسع على الفهارس والمعاجم وتراث المحدثين بحيث أنه كان فريد عصره غربا وشرقا ولولا انحرافه السياسي بمشايعته للاستعمار لكان له شأن آخر ومنزلة لا تبارى. وبالجملة فالرجل خصب المواهب متعدد الجوانب، فهو خطيب وكاتب وباحث. وكان عالي الهمة أبي النفس بعيدا عن الإسفاف متحاشيا لمواطن الشبهات، حسن الأخلاق، جمع ما تفرق في غيره من الخصال والمزايا - رحمه الله - وقد خسرت به تونس علما من أعلامها ونابغا من نوابغها.

توفي يوم الخميس في ١٠ ذي القعدة سنة ١٣٩٨/ ١٢ أكتوبر ١٩٧٨.

[مؤلفاته]

١ - شكيب أرسلان وصلاته بالمغرب العربي، وكان له معه صلات بالمراسلة منذ أن كان

<<  <  ج: ص:  >  >>