المغرب، فأظهر من علو الهمة، وحسن السياسة ما ازداد به قيمة. قال الغبريني:«وكان محبوبا من الناس لقربه منهم» أي أنه كان متواضعا حسن الأخلاق، وهذه الصفات جعلته محبوبا من سائر الطبقات. ولم تلحقه نكبة أو إهانة من السلط طول حياته بخلاف معاصره بلديّة ابن الابار فقد كان سليط اللسان، لا يمسك عن الإيذاء والتفوه بما لا يليق في بعض كبار رجال الدولة، مع فضول وغرور شديد، وميل إلى احتقار أبناء البلاد مما دفع ثمنه غاليا في آخر الأمر، وإذن ليس صحيحا ما رآه بعض الباحثين أن تولي الأندلسيين كبار المناصب كان مثيرا لحسد ودسائس أبناء البلاد.
والقائلون بهذا الرأي لا يستطيعون أن يظفروا إلا بما وقع لابن الأبار، وهو قد ذهب ضحية إيذائه وقلة تحفظه وغروره وسوء أخلاقه، أما غيره فقد عاش في أمان واطمئنان كالمترجم، وأبي المطرّف بن عميرة وغيرهما كثير.
ووصفه ابن الأحمر في «مستودع العلامة» بأوصاف موجزة بأسلوب مسجوع لا تخرج عامة عما سبق وصفه به فقال: « ... المتميز عن القضاة بالعدل في قضاء الجماعة، والمصغي إلى أخبار الطاعة بإذن سماعة».
وكان المترجم مواظبا على التدريس والإسماع حتى بعد علو سنه وضعف قواه فكان مواظبا على الإسماع بداره غدوة وعشية وممن سمع منه محمد بن جابر الوادي آشي، وهو عمدته وأكثر عنه، وعلي التجاني، والرحالة العبدري المغربي عند رجوعه من الحج، وأحمد البطرقي، وابن راشد القفصي، وروى عنه محمد بن عبد الملك المراكشي، وخلف بن عبد العزيز الغافقي القبتوري.
توفي بتونس في ١٠ محرم وكان لموته رنة أسى في الأوساط العلمية والأدبية، ورثي بمراث شعرية كثيرة جمع بعض هذه المراثي تلميذه علي التجاني أحد الناظمين لبعض المراثي في تأليف سماه «تسلية القلب الحزين في مراثي قاضي قضاة المسلمين» رتب، فيه الشعر على حروف المعجم، وجمع المراثي أيضا في تأليف آخر اسمه «رائق الوشي وعالي الطراز في