ولم تكن هذه المظاهرة وذلك الخطاب الناري يمران بدون رد فعل عنيف من السلطة الاستعمارية، فألقت القبض على المترجم له في ٩ أفريل وسرى الخبر في العاصمة سريان البرق وتجمع المتظاهرون أمام المحكمة الفرنسية للسؤال عن مصير هذا الزعيم الشجاع، وبادر البوليس إلى تفريق جموع المتظاهرين ضربا بالعصي وإطلاق الرصاص، كما خرج الجيش من ثكنة القصبة وجال في شوارع باب المنارة وباب البنات وباب السويقة وفي حركة جنونية ألقى القبض على المارة، وأطلق الرصاص فقتل ١٢٢ تونسيا وجرح أكثر من ستين، ودامت المعركة نحو ساعتين وزادت شراسة الاستعمار بعد قتل أحد الجندرمة وإحراق عربة ترمواي قرب باب سويقة، وقرر اعتقال قادة الحركة الوطنية بتهمة التآمر على أمن الدولة في فجر ١٠ أفريل.
وكان من بينهم المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة، والحبيب بوقطفة، والبحري قيقة، وصالح بن يوسف، والطاهر صفر، والمنجي سليم، والهادي شاكر.
وفي هذه الفترة سجن المترجم له بتونس ثم نقل إلى تبرسق، ثم نقل في عام ١٩٤١ إلى برج سان نيكولا في مرسيليا.
وفي أثناء الحرب العالمية الثانية وانهزام فرنسا واحتلالها من قبل الجيوش الألمانية وإخضاع بقية ترابها للسيطرة الألمانية مما استثنته الهدنة في أول الأمر أطلق سراحه مع بقية رفاقه من المسجونين السياسيين في أفريل سنة ١٩٤٣ وعاد إلى وطنه في ١٨ أفريل وكانت عودة هذا المناضل العنيد لا لينعم بالراحة بل ليواصل العمل فأشرف على إعادة تنظيم الحزب وإعادة تكوين إطاراته وتجديد هياكله وعقد الاجتماعات الدورية في المدن والقرى وألقى المحاضرات ذات الصبغة الفلسفية والأدبية على الطلبة في جمعية قدماء الصادقية والمدرسة الخلدونية، وفي السنة الدراسية ١٩٤٥ - ١٩٤٦ حضرت محاضراته في علم النفس وتاريخ الفلسفة الإسلامية في الخلدونية فأعجبت بحسن بيانه وغزارة اطلاعه وحيوية أسلوبه، وكانت لا تعن فرصة للحديث عن الحركة الوطنية إلا اهتبلها واستخلص العبرة واستنبط النتائج.
وفي أكتوبر ١٩٤٨ انتخب عضوا في الديوان السياسي على أثر انعقاد المؤتمر المعروف بمؤتمر دار سليم وبعد انتخابه بذل نشاطا سياسيا كبيرا قصد بعث الوعي القومي وتنظيم الحركة الوطنية وكتب في الصحف المنتمية إلى الحزب ولم تنم عين الاستعمار عن نشاطه فمنعه من إلقاء محاضرة تحت إشراف جمعية الاتحاد الصفاقسي الزيتوني بتونس.
وبعد سنوات قليلة ازداد تصلب الاستعمار وتعنته وقرر الحزب إرساله إلى المشرق العربي يوم ١٤ سبتمبر ١٩٥١ للتعريف بالقضية التونسية وبجهاد الحزب ونشاطه فتوجه إلى القاهرة واتصل فيها بالجامعة العربية، وبيّن لدى مسئوليها موقف تونس من فرنسا، وكتب في الصحف وعقد الندوات والمحاضرات، وتكلم في الإذاعات باسطا للقضية التونسية ولسياسة فرنسا الاستعمارية، ثم سافر إلى العراق سنة ١٩٥٢ أثناء قيام الثورة في تونس ولبث فيه أكثر من عام، وقام بنشاط كبير على غرار ما قام به في مصر، وعيّن أستاذا محاضرا في جامعة بغداد.