وفيا لها حتى النهاية وإن أصبح - فيما بعد - أحد المثقفين الكبار، ذلك العالم مادة لحكايته المعروفة «سعيد أو بذرة الحلفاوين» ولما كتب الشعر غنى مرابع صباه وخاصة في قصيدته «شارعنا».
وفي سنة ١٩٤٦ نجح في مناظرة الدخول للمدرسة الصادقية، وبعد سبع سنوات تخرج منها محرزا على شهادة البكالوريا، واختار قسم الآداب الكلاسيكية شعبة (أ) فأصبح من التونسيين القلائل الذين درسوا اليونانية واللاتينية، علاوة عن لغته الوطنية والفرنسية والإنكليزية. ولعل معرفته المبكرة لهذه اللغات كلها هيئته فيما بعد للتخصص في الألسنية، ومن بين أساتذة العربية بالمعهد الصادقي الذين تركوا فيه أثرا كان يحب ذكر أحمد الغربي، وعبد الوهاب باكير، والشاذلي بو يحيى.
وعند ما كان طالبا بالمدرسة الصادقية لم يكن تلميذا نابها فقط بل شارك في الإضرابات العديدة التي نظمت احتجاجا على سياسة المستعمر، وطرد لأيام عديدة من المدرسة مع جماعة ممن كانوا يدرسون معه، وفي خضم المعركة الوطنية من أجل الاستقلال اكتشف الماركسية، فكان ذلك بمثابة العلامة الكبيرة على مسار التحولات الفكرية والميول السياسية له إذ حاول منذ ذلك التاريخ أن يوفق في سلوكه السياسي وطريقته في التفكير بين المكاسب الكونية للنظرية الجدلية، وبين الإرث الغني الذي أفرزته الحركة الوطنية التونسية.
وفي سنة ١٩٥٤ عمل قيما بمدرسة خزندار فرع المدرسة الصادقية، وفي نفس المدة أعد بنجاح الدراسة التمهيدية لشهادة الإجازة بجامعة بوردو الفرنسية، ثم التحق بهذه المدينة حيث تحصل في ما بين سنتي ١٩٥٥ و ١٩٥٧ على ست شهادات عليا في العربية والإنكليزية، وإلى جانب هذه الحصيلة الهامة تحصل أيضا سنة ١٩٥٧ على شهادات دراسات عليا حول ابن رشد، وعلى شهادة مماثلة في تاريخ الفلسفة العربية