للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وترجع بعد ذلك إلى تونس رجلا كاملا عالما، فقال أنى لي ذلك وأنا لست صاحب مال، وكيف أنفق على نفسي وأنا مملق.

قال: لا تخف ولا تخش شيئا فهنا لك من يتعهد لك بالنفقة ومن يرعاك ويكفيك كل حاجاتك قل إنك تقبل السفر من أجل الدراسة وستجد من يمدك بالمال، ويهيئ لك في القاهرة أو دمشق سبيل الحياة الكريمة، فوقف وتقدم خطوة نحو الباب، وقال: قل للذين أرسلوك أيها الأستاذ إن هذا الشخص الضعيف الذي يقف الآن أمامك لا يباع ولا يشترى، ولا يساوم كغيره من الرجال، أنا مكافح مناضل، سأبقى هنا في مركز النضال والكفاح، وما على الذين أرسلوك إلاّ أن يزجوا بي من جديد في السجن، أو يبعثوا بي إلى المنفى، أو ينفذوا فيّ حكم الإعدام فأموت شهيدا في سبيل الله، أمّا أن أخون وأتراجع وأستخذي فذلك لا يكون إطلاقا. ووقف الشيخ شاحبا متجهما، وتقدم نحوه فقبل جبينه وهو يقول: والله قد كنت أعلم أنك تقول هذا وأكثر من هذا، وقد قلت لهم: إن هذا الشاب من طينة أخرى، فقالوا لي: جرب على كل حال، اذهب الله يحفظك ويسترك وما عند الله خير وأبقى. وخرج من عنده وقد أيقن أن مدة وجوده بتونس أصبحت محدودة، فازداد شدة وحدة، وأقدم مرتاحا مطمئنا على النفي مصيره المحتوم.

ولم يكن نشاطه محصورا في العمل الحزبي والصحافي، بل شارك في ميدان التأليف والنشاط الاجتماعي فكان عضوا في لجنة الخلافة الإسلامية، بعد إلغاء الأتراك لنظام السلطنة، وإعلانهم استقلال الخلافة عن الدولة وهو الذي كوّن هذه اللجنة، وضم إليها جماعة ممن كان يرى فيهم الخير والهمة والمشاركة في الرأي من أمثال محي الدين القليبي، ومحمد معلّى، وعثمان الكعاك، والحبيب المزيو وغيرهم وكانوا عشرة رجال عقدوا اجتماعا بمنزله في شارع الديوان، وأسندوا له الرئاسة، وقرروا توجيه برقية للخليفة عبد المجيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>