هامة مع رجال اللجنة التنفيذية ورجال الديوان السياسي. زار تونس في شهر أفريل سنة ١٩٤٧ (على ما أتذكر). يوم العروبة الثاني (الذكرى الثانية لتأسيس الجامعة العربية) وكان مسك الختام أن وقف مرتجلا خطابا حماسيا مؤثرا في نبرة خاصة ولغة لا تعلو عن مستوى الجماهير، ولا يبتذلها المتعلمون، ولا تفقد تأثيرها عليهم مع البعد عن التكرار للألفاظ والمعاني، وفيها ما هو جديد الفكر كقوله: إن لم تقل بالحلول والاتحاد في الدين فلنقل بهما في السياسة، وكان الحاضرون خليطا من جمهور الشعب ومن الطلبة الزيتونيين. وكانوا كلهم ساعة إلقاء الخطاب مسحورين مأخوذين كأن على رءوسهم الطير لا تسمع همسا، ولا ترى أدنى إشارة.
وتأملته فإذا هو رجل مربوع القامة يميل إلى القصر، وله ملامح جميلة ظريفة. وما سمعت بتونس خطيبا أشد تأثيرا منه على ما فيها من خطباء مصاقع، ولا أبالغ إذا قلت: إنه أكبر خطيب في عصره في العالم العربي كله فقد سمعت عن طريق الإذاعة والتلفزيون بعض كبار الخطباء بالمشرق، فما سمعت من يساويه في شدة تأثيره وسمو بيانه، وسمعت من بعض العارفين المسنين أنه في الخطابة صورة من الشيخ الثعالبي، وقد حكى هو نفسه تأثره بالشيخ الثعالبي بعد ما سمعه لأول مرة خطيبا بالمدرسة القرآنية التي ما زال تلميذا بها، فقد قال:«واستوعبت لهجة الثعالبي الخطابية، واندمجت في كياني إلى آخر رمق من حياتي، فمن سمعني وأنا أخطب - وطالما خطبت - فكأنه سمع الثعالبي في لهجته ونبراته وقوة عارضته وشدة شكيمته»(حياة كفاح ١/ ٤٩).
وكان موجودا بتونس في شهر فيفري ١٩٥٢ وحضر الاحتفال الذي أقيم لذكرى تأسيس الجامعة العربية، وطلب منه إلقاء كلمة، وجعل محور حديثه بيت شوقي:
وللحرية الحمراء باب ... بكل يد مضرجة يدق
وكان الخطاب حماسيا ملتهبا، وهاج المستمعون وماجوا، وتعالت الهتافات