وعاد إلى الدراسة بجامع الزيتونة بعد الخروج من السجن، وكوّن هو وجماعة من زملائه الطلبة المثقفين في المشرب السياسي جريدة «الهلال» وفتحوا واجهتين واجهة ضد السياسة الاستعمارية وواجهة ضد أنصارها من الشيوخ الجامدين، وكان هو شخصيا يرى الاقتصار على الواجهة الأولى حتى لا تتحد القوتان ضدهم.
ولم ترق هذه الحركة الطالبية الكتابة العامة للحكومة (وهي مصلحة فرنسية استعمارية) وطلبت من شيخ جامع الزيتونة في أوائل أفريل ١٩٣٩ القضاء على هذه الحركة الخطيرة بالزيتونة، وطرد القائمين بها، ومنعهم من مواصلة تعلمهم، وكان شيخ الجامع في ذلك العهد هو الشيخ صالح المالقي آلة طيعة في يد الفرنسيين، ينفذ رغباتهم خوفا منهم، فجمع مجلس التأديب لمحاكمة الجماعة الذين سموهم «بالشياطين العشرة» بتهمة النيل من كرامة الجامع وشيوخه، وقدم للمجلس أعدادا من جريدة «الهلال» وطلب من أعضائه الأربعة الحكم بسرعة على الطلبة المقدمة أسماؤهم لهم بالطرد من الجامع، ولما اعترض أحد الأعضاء بأن هذه المحاكمة غير قانونية لأن قانون الجامع ينص على حضور المتهم والترخيص له في الدفاع عن نفسه أو اختيار من يدافع عنه، غضب شيخ الجامع وأفهمه بأن المطلوب منه الإمضاء على الحكم المطلوب بدون مناقشة وإلاّ اعتبر من (إخوان الشياطين) الذين لا يسلمون من العقوبة، وأوضح أن حضور المتهمين لا فائدة منه لأنه لا حجة لدى إدارة المشيخة عليهم ما داموا يمضون بأسماء مستعارة، وصدر الحكم بطردهم من جامع الزيتونة وطلب شيخ الجامع من الكتابة العامة إبعادهم عن العاصمة (ومن بينهم المترجم) لأن وجودهم فيها سيحدث تشويشا في الطلبة، ولم يتفطن هؤلاء الطلبة المنكودون المظلومون إلاّ وقائمة أسمائهم منشورة على عرصات جامع الزيتونة، واتصلوا بإنذار من إدارة الأمن في وجوب مغادرة العاصمة كل إلى مسقط رأسه، وهذه الحادثة الظالمة أثارت