الباقي الزرقاني على الشيخ إبراهيم الجمني الحفيد، والشيخ أحمد بن عبد الصادق الجبالي العيادي الليبي، ثم جاور بالأزهر وهو كهل متزوج له ذرية، فأخذ العلوم الرياضية عن الشيخ أحمد الدمنهوري وحسن الجبزتي والد المؤرخ عبد الرحمن، وأخذ عن الشيخ علي الصعيدي الفقه والحديث، وقرأ على غيرهم من شيوخ الأزهر.
ولا نعلم تاريخ التحاقه بالأزهر، ومدة إقامته بمصر سوى ما ذكره في القسم الأول من تاريخه الخاص بالجغرافيا أنه كان موجودا بالإسكندرية سنة إحدى ومائتين وألف ١٧٨٦/، ولعل ذلك كان لغرض التجارة وكان مدة مجاورته بالأزهر ينسخ الكتب الثمينة، ثم يئوب إلى بلده صفاقس، ويبيع ذلك إلى علماء المدينة، ويترك محصول ذلك لزوجته وذريته، ويرجع إلى القاهرة لاستكمال قراءته، وبعد تخرجه من الأزهر انتصب للتدريس مجانا ببلده، قال الشيخ ابن أبي الضياف:«ولما تضلع من العلوم رجع إلى بلده صفاقس فأفاد وأجاد ونفع العباد، وتزاحمت على منهله الورّاد، وأفنى عمره في هذا المراد، وأتى بما يستجاد فتلاميذه بصفاقس أعلام وأيمة في الإسلام، وكان متخلقا بالإنصاف سمح بما عهد فيه من محمود الأوصاف».
وكان لا يقتصر في تدريسه على أسلوب الإلقاء والتلقين، بل يستخدم الأسئلة عن المشاكل والقواعد في قالب قصصي مخترع لاختبار ذكاء الطلبة، ومعرفة ما هضموه من معلومات وتروى له حكايات يرويها بعضهم إلى اليوم.
ولبث ببلده مقسما أوقاته بين التدريس والتأليف واحتراف التجارة لكسب قوته متجافيا عن الوظائف الرسمية إلى أن هاجر إلى القيروان في آخر حياته حيث توفي بها. وحمل جثمانه إلى صفاقس.
قال كراتشكوفسكي:«وأمضى معظم حياته بمسقط رأسه ولو أنه - كما يبدو - ساح كثيرا، وزار مواضع كالبندقية مثلا».