للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكان شديد البغض للعبيديين حتى قيل إنه كان زمانه مثل أبي عثمان سعيد الحداد وعند ما شدد صاحب القيروان عبد الله المختال في طلب علماء المالكية ليدخلهم في المذهب الإسماعيلي الباطني (مذهب الدولة العبيدية) اجتمعوا بمسجد ابن اللجّام وهم: المترجم له وابن أبي زيد، وأبو سعيد ابن أخي هشام، والقابسي، وأبو القاسم بن شبلون، فاتفقوا على الفرار فقال لهم المترجم له ابن التبّان: أنا أمضي وأكفيكم مؤونة الاجتماع ويكون كل واحد منكم في داره، وقيل إنهم أرادوا السير إلى أبي عبد الله المختال، فقال لهم: أنا أمضي إليه أبيع روحي من الله دونكم لأنكم ان أوتي عليكم وقع في الإسلام وهن.

وما وقع لهؤلاء الفقهاء من الهلع والفزع يدل على اضطهاد العبيديين وصنائعهم للمالكية بشتى أنواع الاضطهاد.

ويقال إن ابن التبّان لمّا دخل على عبد الله المختال قال له: جئتك من قوم إيمانهم مثل الجبال أقلهم يقينا أنا.

حدّث بعض من حضر قال: كنت مع عبد الله المختال، وقد احتفل مجلسه بأصحابه وفيهم الداعيان: أبو طالب، وأبو عبد الله، وقد وجه إلى ابن التبّان، فإذا به دخل وعيناه تتقدان كأنهما عينا شجاع، فدخل وسلم، فقال أبو طالب: عنّا يا أبا محمد! فقال: في شغلك! كتاب ألّفته في فضائل أهل السنة الساعة، أتاني به المجلد ودفعه إليّ. وناظر الداعيين، وظهر عليهما وأفحمهما.

ويتبين من هذا أنه كان فصيحا مفوّها حاضر البديهة قوي الحجة، وكان من العلماء الراسخين والفقهاء المبرزين، ضربت إليه أكباد الإبل من الأمصار لعلمه بالذب عن مذهب أهل الحجاز ومصر ومذهب مالك. وكان من أحفظ الناس للقرآن والتفنن في علومه، والكلام على أصول التوحيد، وكان من الحفاظ وكان يميل إلى الرقة، وحكايات الصالحين، عالما بالفقه والنحو والحساب والنجوم. وذكره القابسي بعد موته فقال: رحمك الله يا أبا محمد قد كنت تغار على المذهب، وتذب عن الشريعة.

وكان كريم الأخلاق، حلو المنظر، بعيدا عن الدنيا والتصنع، من أرق أهل زمانه طباعا وأحلاهم إشارة وألطفهم عبارة.

قال لبعض تلامذته: حذ من النحو ودع فما أكثر أحد من النحو إلاّ حمقه، ولا من الشعر إلاّ أرذله، ولا من العلم إلاّ شرفه.

وقال يوما: لا شيء أفضل من العلم، فقال أبو إسحاق الجبنياني، العمل به أفضل، فقال صدق: العلم إذا لم يعمل به صاحبه فهو وبال عليه، وإذا عمل به كان حجة له ونورا يوم القيامة. وكان إذا حدث في القيروان أمر فر إلى سوسة والمنستير حتى ينفضّ ذلك الأمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>