ونشرت له مجلة الجامعة محاضرة في الفلسفة الإسلامية في عددين كما نشرت له محاضرة في حكمة التشريع. وقد خصص صباح كل يوم جمعة ندوة يستقبل فيها أصدقاءه ومعارفه من الشخصيات السياسية والأدبية، وكان في مقدمة هؤلاء جعفر العسكري، وياسين الهاشمي وطه الهاشمي، وفهمي المدرس، وعبد اللطيف الفلاحي، ومنير القاضي، ويوسف العطار، وغيرهم.
وكانت اجتماعات هذه الندوة السياسية والأدبية تحفل بشتى الأحاديث التاريخية والسياسية والأدبية التي تتناول شؤون الساعة في الوطن العربي مشرقة ومغربه وما يجد من أحداث وتطورات في شتى مجالات الحياة العامة. وعند ما انتدبت الحكومة العراقية الأستاذ أحمد حسن الزيات لتدريس آداب اللغة العربية في مدرسة دار المعلمين العليا ببغداد في نهاية سنة ١٩٢٩ كان في مقدمة الذين سعى إلى التعرف بهم الشيخ الثعالبي فكان يحضر ندوته الأسبوعية ويشارك في أحاديثها الأدبية وغيرها، ومن رواد هذه الندوة محمد بهجت الأثري، ومعروف الرصافي قبل انفصام رابطة الصداقة بينهما.
في نهاية السنة الدراسية في مطلع سنة ١٩٣٠ أقرت الحكومة إلغاء جامعة آل البيت والاستعاضة من ذلك بإرسال البعثات إلى مصر على حساب وزارة الأوقاف، وتوقف صرف راتب الثعالبي الأمر الذي جعل البلاط المالكي يتدخل في ذلك وطالب أن تسدد رواتبه لغاية السنة الدراسية بما فيها أشهر العطلة.
وتقرر تعيينه مراقبا لبعثة الأوقاف في مصر.
وبعد أن تقاضى رواتب العطلة الصيفية غادر بغداد في سبتمبر ١٩٣٠ بعد أن أقام بها مدة خمس سنوات كان له في أوساطها السياسية والثقافية والأدبية والاجتماعية ذكريات طيبة كانت وما تزال حديث المجالس والمنتديات.
ورجع إلى تونس في صيف ١٩٣٧ ونظم له الحزب الحر الدستوري الجديد احتفالا رائعا بساحة قامبطا وألقى فيها خطابا رائعا، وبعد مدة حدث الخلاف بينه وبين الحزب الجديد الذي يتزعمه المجاهد الأكبر الرئيس الحبيب بورقيبة، وكأنه لم يدر أن الأحوال تغيرت أثناء أربع عشرة سنة من غيابه في المشرق، وأصبحت قيادة الجماهير بيد بورقيبة قائد وزعيم الحزب الدستوري الجديد، فرأى أن الجماهير ليست معه، وألقى عليه الظل فانعزل عن المجتمع ولزم داره ولولا بعض الفصول التي كان ينشرها بين الحين والآخر في جريدة «الارادة» لسان حال الدستور القديم ما شعر الشعب بوجوده، وفي هذه الفترة كان منزله منتدى يحضره المنتمون للحزب القديم وأعضاء هذا الحزب، وتدور الأحاديث المختلفة ويلقي أحيانا محاضرات في التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية، وحضره مرات مدرس بجامع الزيتونة وشاعر أيضا ما زال يقيد الحياة للتجسس ونقل الأخبار إلى السفارة الفرنسية عن طريق الهاتف بالبريد،