يجدون في نشرها إلاّ قليلا منها لا تشبع نهم المتطلع المستشرف للمزيد، مع أن البعض منها وهو كثير يهم كل المسلمين والمثقفين بصفة عامة ككتب التفسير والتاريخ والتراجم، ولولا ما قام به بعض المعاصرين من التعريف بأعلامهم كالأستاذين الصادق بن مرزوق وفرحات الجعبيري الجربيين التونسيين وعلي يحيى معمر النفوسي الليبي لبقي كثير من هؤلاء الأعلام مغمورا في طي الخفاء والكتمان. ولهؤلاء الثلاثة فضل كبير في هذا الميدان وقد اعتمدت عليهم كثيرا في ترجمة أعلام مرموقين من جربة أو من نزلائها المتوفين بها.
هذا والعناية بهم ما زالت محدودة المدى ضيّقة النطاق مع أن الكثير منهم جدير بكل تقدير وتنويه وحبذا لو يتفرّغ بعض الباحثين من شباب جزيرة جربة لإصدار دراسات خاصة في رسائل بحيث يخصص لكل واحد منهم رسالة أو يقع جمعهم في تأليف خاص يسمى (أعلام جربة) أو نحو ذلك حتى ينتشر ذكرهم ويشيع أمرهم ويصبح الجهل بهم أمرا لا يليق بكل مثقف متتبع لسير الحركة العلمية والحضارية بوطنه.
وبودّي لو يخصص ملتقى ثقافي باسم أحد أعلام جربة الأجلاّء كالتلاتليّ أو سعيد بن تعاريت الأول أو الثاني، أو من الوافدين عليها المدفونين بها كأبي القاسم البرادي، والجيطالي، ويوسف المصعبي وابنه محمد، لأن الجزيرة أخرجت على مدار القرون أعلاما لهم مكانتهم لا في المذهب الإباضي فقط بل في التفكير الفلسفي الإسلامي، وفي التاريخ التونسي. وإذا كان للإمام ابن عرفة ملتقى سنوي في مدنين وللشيخ علي النوري ملتقى في صفاقس ولابن أبي الضياف المؤرخ ملتقى في سليانة وللقلصادي العالم الرياضي ملتقى في باجة فلماذا لا يكون بجربة ملتقى سنوي باسم البرادي أو الجيطالي أو ابن تعاريت، أو غيرهم من ذوي الآثار العلمية والتاريخية يبدو أن رواسب الماضي ما زالت تعمل عملها بدون شعور أو قصد، نرجو أن يقع التدارك في المستقبل القريب بحول الله.
هذا ولا يفوتني أن أشكر كل من قدّم لي إعانة كبيرة أو صغيرة كالصديق الشاعر الأستاذ محمد الشعبوني في تاريخ وفيات بعض المعاصرين، أو تاريخ طبع إنتاجهم أو إعارة إنتاجهم المطبوع، والصديق الأستاذ الصادق بن مرزوق في ترجمة بعض علماء جزيرة جربة، والأستاذ عبد الله الزناد في ترجمة الشيخ محمد مخلوف المنستيري، والأستاذ محمد الحبيب السلامي في ترجمة قريبة شيخنا محمد المهيري، أشكرهم جزيل الشكر وهو غاية ما أملك «والغني بما ملك» كما قال قديما بديع الزمان الهمذاني، وجزاهم الله كل خير وأبقاهم ذخرا للمعرفة، ومن الأمانة العلمية عز وكل فائدة لصاحبها، علاوة عن خلق الاعتراف بالجميل لذويه، لا السطو على الفائدة ونسبتها إلى النفس في غير تورع ولا حياء تظاهرا بسعة الاطلاع وتدليسا على القارئ وغمطا لصاحب الحق والفضل. هذا رأيي وعقيدتي، مع أني اكتويت بشواظ من عقوق ولؤم بعض الأفاضل. فقد أعنت بعضهم إعانة متنوعة كبيرة في تأليف له في التاريخ، من إمداد بوثائق وكتب وترجمة من الفرنسية إلى العربية وترجمة لبعض الأشخاص وعلى ضوء ما أمددته به حور