للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكرّر عليه فرد مثله، فلما انصرف قال من حوله: تكون قاضي السلطان وداعيه تسلّم على صبي فما يرد عليك أذللت نفسك وأذللتنا فرجع إليه يتوقد غضبا فلما رآه أبو محمد قام، وجعل يده على اذنه وقال:

جعلت أذنك قمعا لمن يقرّب إلى النار لحمك ودمك!

- قال: صدقت يا أبا محمد وانصرف إلى أصحابه قائلا: ما هذا بشر من أهل الدنيا فيتم فيه ما نريد!

ومن كان مثله مجاهرا ببغض بني عبيد منابذا لهم إذ لم ينله أذى جسدي، وسلب لحريته من ضرب وسجن ومصادرة لأملاكه فلا أقل من مصادرة مكتبته بعد وفاته، ولذلك لما اشتد به المرض قال له أصحابه نخشى أن يأخذ السلطان كتبك ويمنعها الناس، والانتفاع بها يكون بوقفها على المسلمين، وجعلها أثلاثا في ثلاثة مواضع، فقبل ذلك فلما كان من الغد قال: لم أنم البارحة لما فقدت كتبي ردوها عليّ فردوا الثلثين وتركوا الثلث الذي كان في دار أبي محمد عبد الله بن أبي زيد فلما وصل إليه الثلثان مات، فاستولى السلطان على ذلك، وسلم الثلث.

قال القابسي: ترك أبو محمد سبعة (١) قناطر كلها بخطه الا كتابين، فكان لا يحتمل أن يراهما لأنهما ليسا بخطه، فلما توفي رفع جميعها سلطان الوقت فأخذها ومنع الناس منها.

والغالب على الظن أن مثل هذه المكتبة تعدم أو تحرق، وكم للدولة العبيدية من جناية على الفكر الإنساني والتراث الإسلامي، ويزعم البعض أنها شجعت العلوم والفلسفة (٢) والحقيقة أنها لم تشجع إلا ما يوافق هواها في خدمة مخارق مذهبها الباطني الزائغ.

ألف كتبا كثيرة لم يذكر المترجمون له منها إلا:

١) كتاب المواقيت ومعرفة النجوم والأزمان.


(١) في الديباج «تسعة قناطر».
(٢) الفلسفة بمعناها القديم تشمل العلوم الرياضية والطب، وعلماء المسلمين لم يعادوا من الفلسفة إلا قسم ما وراء الطبيعة (الميتافيزيكا) أو الفلسفة الأولى لأنه فيه آثار من الوثنية -

<<  <  ج: ص:  >  >>