وكان أديبا شاعرا نحويا، منطقيا، له مشاركة في العلوم المتداولة في عصره، وأحرز على شهرة واسعة تجاوزت حدود البلاد فدارت مراسلات بينه وبين علماء استانبول، وتوثقت الصلة بينهم فاستغلها في تكليفهم بشراء ما يحتاج إليه من الكتب المفقودة في تونس، لا سيما كتب العلماء الأتراك والفرس، وقد استفاد منها في تدوين حاشيته على شرح الخبيصي للتهذيب في المنطق.
وله مراسلات مع الشيخ عمار الشريف القسنطيني من خريجي جامع الزيتونة، منها مباحثته في مسألة الاستدلال على عرضية العقل، وأنه ضعيف، وتكررت بينهما المراسلات، وحكم بينهما العلامة الشيخ محمد النيفر برسالة.
وبالرغم من أنه لم يعمر طويلا ومات وهو ما يزال غض الاهاب، لم يستوف أمد اقرانه وذلك في الطاعون الجارف المعروف بالوباء الكبير الذي حصد آلافا من الخلائق فإنه ترك تراثا علميا محترما مما ينبئ عن ذكاء وقاد خارق، وعن تأثير خصائص بيئته الأولى فيه من الكد ومواصلة العمل بدون فتور ولا وناء، وعدم إضاعة الوقت الثمين فيما لا يجدي من السفاسف وتوافه الأمور، ومن يقلب أوراق كتب الطبقات والتراجم للمغاربة والمشارقة يظفر بكثير من الأمثلة على احتمال أبناء القرى لشظف العيش في سبيل طلب العلم، ويظهر له سر تفوقهم ونبوغهم، وتبدو تأثيرات البيئة الأولى في أجلى صورها وأرفع مظاهرها.
وكان يجيد ارتجال الشعر مع متانة الصوغ وقوة السبك، وبدت هذه الميزات في باكورة انتاجه، يحكى أنه كان جالسا مع رفاق له ذات مساء على سطح مخازن من القطران بالبحيرة في مدينة تونس، فأظلم الجو لتراكم السحب، وأسودت الجبال فاقترحوا عليه أن يقول شعرا في وصف الحال، فارتجل بديهة هذه القطعة وهي أول مرة ينظم فيها شعرا:
انظر إلى لون الجبال وقد بدت ... مسودة لما ارتدت بغمام
فكأنها قلبي المسوّد بالجفا ... مما بدا لك من ضياع ذمام