- قال له: فالحلاوة هي الملوحة، والملوحة هي الحلاوة.
- قال إسحاق: إن الحلاوة تجلو بلطف وملاءمة والملوحة تجلو بعنف.
فتمادى ابن خنيس على المكابرة، وأحب المغالطة، فلما رأى ذلك منه عدل على مجادلته بنفس أسلوبه لإفحامه وتخجيله.
- فقال له: تقول أنت حي!
- قال: نعم.
- قال إسحاق: والكلب حي.
- قال: نعم.
- قال: فأنت الكلب والكلب أنت.
فضحك زيادة الله ضحكا شديدا، وعلم إسحاق بن سليمان أن رغبة زيادة الله في الهزل أكثر من رغبته في الجد
ولما وصل أبو عبد الله الصنعاني داعي عبيد الله المهدي إلى رقادة أدناه وقرّب منزلته وكانت به حصاة في الكلي وكان يعالجه بدواء فيه العقارب المحرقة، فجلس ذات يوم مع جماعة من كتامة فسألوه عن صنوف من العلل، فكلما أجابهم لم يفهموا قوله لأنهم من البربر لا يفهمون العربية جيدا، فقال لهم إسحاق أنتم بقر! وليس معكم من الإنسانية إلا الاسم! فبلغ الخبر إلى أبي عبد الله، فلما دخل عليه إسحاق قال له: أتقابل إخواننا المؤمنين من كتامة بما لا يجب؟ والله الكريم لولا أن عذرك أنك جاهل بحقهم وبقدر ما صار إليهم من معرفة الحق وأهل الحق لأضربنّ عنقك.
قال إسحاق: فرأيت رجلا شأنه الجد فيما قصد إليه وليس للهزل عنده شيء.
وكان إسحاق طبيبا فاضلا بليغا عالما مشهورا بالحذق والمعرفة، جيد التصنيف، عالي الهمة.
وكان معاصروه من يهود افريقية، يجلّونه إجلالا عظيما حتى أنهم أسندوا إليه رئاستهم الدينية، وقد ألّف لهم كثيرا من الكتب في تفسير شريعتهم، كما سنّ لهم تقاليد دينية.
وقد أخذ عنه الطب والفلسفة جماعة من أبناء البلاد منهم الطبيب الشهير أحمد بن الجزار