وولاية المشير الثاني محمد باشا لطلب أمر الولاية، فسافر معه المترجم في شوال ١٢٧٢، ووقع تقليده في هذه المرة النيشان المجيدي، وترقى محمد خزنه دار إلى رتبة امير امراء بعد رجوعه، وفي محرم من سنة ١٢٧٣/ ١٨٥٧ سمي عاملا على الأعراض وقائدا عاما للمحلة العسكرية المهيئة لمقاومة الانتفاضة التي أثارها الفارس غومة المحمودي بعد فراره من سجنه بتركيا، فكان المترجم رئيس كتاب المحلة، وتقلد هذه المسئوليات لم يقطعه عن مواصلة طلب العلم، وتخلى عن هذه المسئوليات سنة ١٢٨٠/ ١٨٦٤ للتفرغ الكامل إلى طلب العلم إلى أن سمي مدرسا من الطبقة الثانية.
وفي سنة ١٢٨٦/ ١٨٧٠ حصل شغور في خطة تدريس من الطبقة الأولى، وكان للنظارة العلمية الحق القانوني في تسديد الشغور بتعيين من تراه إلا إذا اعترض أحد المرشحين على التعيين، وطلب اجراء المناظرة بدلا من التعيين فإنه تقع إجابة طلبه، وعين شيخ الإسلام محمد معاوية للخطة الشاغرة المدرس من الطبقة الثانية الشيخ محمود بن مصطفى بيرم، ولم يرض المترجم بهذا التعيين وطالب باجراء المناظرة، مخاطبا شيخ الإسلام محمد معاوية بأبيات لطيفة رقيقة وهي:
أيا شيخ إسلام وقدوة أمة ... مقامك أعلى من مديحي واعظم
معاوية الاستاذ هل من معنف ... فلا العلم مغبون ولا الحق يكتم
عهدناك قبل اليوم تشكو تأخرا ... وتقديم من لا يعلمون وتعلم
أعيذك من أن أشتكي منك مثلها ... فعلمك يأباها ورأيك احزم
فلا تجعلني واو عمرو أو انني ... «أنا الميم والأيام، افلح اعلم»
هديتم إلى رشد فخذ قول منصف ... «سلي ان جهلت الناس عنا وعنهم»
واني على عليا لأثني مسلّما ... ولست لمن قدمتموه اسلّم
فأجريت المناظرة، واجتازها بنجاح.
وفي هذه السنة ١٢٨٦/ ١٨٧٠ عجزت الدولة التونسية عن خلاص ديونها وانتصبت اللجنة الدولية المختلطة لمراقبة الميزانية وتصفية الديون وهي المعروفة بالكوميسيون المالي، وتولى رئاستها الوزير المباشر خير الدين،