للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يكون الطفل في حضانته والتزم بالنفقة عليه من ماله إلى أن يبلغ أشده ويأخذ ارثه من أبيه كاملا، فقضى له بذلك الشيخ المترجم اعتمادا على غير المشهور نظرا لمصلحة اليتيم، فانتصر هذا لرأيه وهذا لرأيه ووقع بينهما اختلاف في مجلس مصطفى باي آل الأمر فيه أن القاضي أتى بكتب الفقه تحملها الأعوان وجعلوها بين يديه، وطلب من الباي أن يأمر أحد الكتاب بقراءة محل الحاجة من كل كتاب فغضب الشيخ المترجم له وقال لتلميذه القاضي المذكور في ذلك المجلس «قصر يا قليل الحياء».

وامتعض الباي من هذه المقالة، وانفصل المجلس بتنفيذ حكم القاضي، وتأثر المترجم من موقف تلميذه القاضي، وقدم استقالته من خطة رئاسة الفتوى المالكية فلم يقبلها الباي، وألزمه على الاستمرار في القيام بها، فبعث إليه برسالة جاء فيها: «فإن معظم قدركم لم يطلب الإقالة إلاّ لما عيل وضاق ذرعا أمري، فإني منذ توليتها وأنا حزين الفؤاد، رهين الندم والانكاد، من يقوم بحق الله وحق العباد؟ حتى وهن العظم مني، وهذا القدر من الأعذار كاف في تفضلكم عليّ بالاسعاف، كيف وقد انضم إلى ذلك ما لا صبر لأحد عليه، وهو مواجهتنا على رءوس الاشهاد، باساءة الأدب في ذلك الناد، ممن كان نلقمه ثدي التعليم، ويرعانا بعين الاجلال والتعظيم، ثم إنه لم يقنع بسنان لسانه حتى شرع لنا رمح بنانه، فهل بعد هذا التعدي من اذلال؟ ! وماذا بعد الحق إلا الضلال .. »

فأجابه الباي «بأن هذا الأمر متعين عليك شرعا، والمعارضة في العلم ليست من سوء الأدب وإلا سد باب المشورة، ومثلك ومثله تكون قلوبكم متعاضدة، وأنفسكم على الخير متواردة .. ».

وكان الباي منتصرا للشيخ محمد البحري بن عبد الستار القاضي، وأكبر قول الشيخ لتلميذه بمحضره في المجلس «يا قليل الحياء».

ولما وصل المترجم إلى الحرم النبوي أنشد عند باب السلام:

إليك رسول الله جئت من البعد ... أبثّك ما في القلب من شدة الوقد

بغى وطغى مستكبر متشبّث ... بوهم يقود الناس للخطإ المردي

<<  <  ج: ص:  >  >>