الصفاقسي المقرئ، النحوي، الصوفي، ومحمد الشريف الحفيد، والمحدث سعيد المحجوز، وحمودة فتاتة وغيرهم.
فقد بصره وهو صغير، وذلك أنه خرج هاربا من تونس، فركب مركبا مشحونا بالملح في شدة الشتاء، فأثّر ذلك في بصره فكف، ولم تحل هذه الزمانة بينه وبين النبوغ والتفوق على معاصريه.
وتصدر للتدريس بجامع الزيتونة، عند طلوع الفجر، وبعد الظهر حسبة لله من غير وظيفة، وله درس آخر في مسجد الشيخ أبي جبرة بنهج المشرع قرب الصباغين، وكانت تلقى دروس بهذا المسجد، وكانت به مكتبة نادرة المثال نقلها الوزير خير الدين إلى المكتبة العبدلية الصادقية.
وكان للباي حسين بن علي فيه محبة واعتقاد، وإذا دهمه أمر يبعث إليه ويستشيره، فكان إذا أتاه يخرج لتلقيه خارج البيت، ويأخذ بيده ويقوده ويجلسه حذوه، ولا يحضر معهما ثالث في الغالب.
توجه إلى الحج وأدى الفريضة سنة ١١١٤/ ١٧٠٣ قال حسين خوجة:
«وكنت حاضرا حين دخوله الاسكندرية، وكان دخوله إليها يوم الخميس وكان الثالث والعشرين من شهر رجب، وفي عشية ليلة المعراج أتى اليه جماعة من أعيان البلد وطلبوا منه احياء تلك الليلة المباركة على حين غفلة، ولم يكن الشيخ متهيئا لهذه المهمة، فنظر قليلا عقيب النهار في بعض التفاسير، وامتلأ جامع ابن تربانة بازدحام الخلق من فوق ومن أسفل، وصلّى بهم صلاة العشاء ... ثم تصدى في المحراب، وتلا قوله تعالى:
ولم ينفك عن تفسير تلك الآية، وأتى فيها من كل الفنون والمعاني، ومن جميع العلوم إلى السابعة من الليل، وحضرته اجلاء العلماء ومن جملة من حضره الشيخ إبراهيم مفتي المالكية بثغر الاسكندرية ممن شهد له بالفضل، وشهد للشيخ سيدي محمد زيتونة، وأثنى عليه، ثم توجه إلى القاهرة، ولقي علماء الأزهر، وقرأ عليهم كالشيخ محمد الزرقاني دروسه في صحيح مسلم، ومختصر خليل، وغيرهما، والشيخ أحمد بن الفقيه، والشيخ منصور المنوفي».