الدرس لكل مادة، ولم يكن المشايخ المدرسون متعودين بمثل هذه الاصلاحات الجزئية فقد كان المدرس حرا في مدة حصة الدرس التي تستغرق وقتا حسب رغبته. سمعت من الشيخ محمد السلامي - وهو معاصر للشيخ الطاهر بن عاشور والشيخ محمد الخضر حسين - أنه قرأ شرح التاودي للعاصمية على الشيخ عمر بن الشيخ فكان درسه يستمر ثلاث ساعات من التاسعة إلى الزوال، ويأتي الدرس ومعه عون حامل لمجلدات كثيرة يراجع منها بعض النصوص والنقول التي ذكرها التاودي.
وكان التلاميذ احرارا في انتخاب المدرس الذي يروق لهم، وساعات التعليم غير منضبطة بوقت محدد، بل تبتدئ أحيانا من صلاة الصبح وتستمر إلى صلاة العشاء، ومثل هذه الاصلاحات التنظيمية لم يقبلها كثيرون من خصوم الشيخ ابن عاشور بارتياح، وراحوا يكيدون له الدسائس، ويسودون المقالات في جريدة «الزهرة» وسمى الشيخ الطاهر بن عاشور المترجم قيما عاما، وأوصاه بأن ينبه عند اقتراب الساعة على انتهاء موعد الدرس، وأن ينبه عليه نفسه إذ كان يقرئ درسا في الموطأ عند الساعة الحادية عشرة فكان المترجم ينبه عليه فعلا عند اقتراب انقضاء الساعة بعبارته التقليدية:«سيدي وقت» فيجيبه الله يبارك ويقرأ فاتحة الكتاب وينتهي مجلس الدرس.
وفي ذات مرة كان الشيخ محمد الصالح بن مراد (المتوفى سنة ١٣٩٩/ ١٩٧٩) يقرئ درسا فنبه عليه المترجم «سيدي وقت» فحدجه بنظرة منكرة، واستمر في إلقاء الدرس، وبعد لحظة اخترق المترجم حلقة الدرس (وهذا من الكبائر عندهم) وخطف من أمامه سجل مناداة التلاميذ قائلا: أنا نبهت عليك باقتراب الوقت وأنت تنظر إلي كأنني لم أعجبك أو كأنني أتصرف حسب هواي، احترم القانون ولا تعد لمثل هذا. وانفض المجلس، وتحلق حول الشيخ ابن مراد الناقمون المتضايقون من هذا الاجراء يسألونه ماذا حدث؟ فقال: إنه انتهك حرمة درسه باختراقه