به (١) قبجي باشي في استدعائه للحضرة السلطانية، فأجاب بالامتثال وتهيأ للسفر لكن والدته وأقاربه شق عليهم ذلك وبكوا بين يديه وقالوا له: لا يحل لك أن تقطع الرحم، فبكى هو أيضا وكتب إلى شيخ الإسلام يحيى بالطاعة لله ولولي الأمر:«لكن منعني من ذلك خوف قطع الرحم» وكتب إلى شيخ الإسلام بعذره ليقره عند السلطان، فقره لديه فقبله منه وعين قبجي باشي ثانيا بفرمان يتضمن الأمر بتعيين ست ريالات من الجزية كل يوم:
فاستكثر ذلك المترجم وقال:«ربعها يكفيني» فاقتصر عليه ولما ظهر له بهاته الواقعة شفوف، وكان تعيين هذا القدر بهذا القطر غير مألوف في ذلك الزمان، مع أن داء الحسد الذميم بين الفقهاء قديم تعصبوا عليه فنصبوا له حبائل المكر حتى نسبوه للكفر في قضية حكاها في تأليف له في صفة الإيمان مضمونها أنه سئل عن صغيرة في حضانة أمها المطلقة وصلت حد الشهوة ولم تبلغ بعد هل تسقط حضانة أمها أم لا.
فأجاب بما هو المعتمد في المذهب من قول محمد بسقوطها، وكان المعارضون له أجابوا بقول الإمامين من عدم السقوط إلى البلوغ، وزعموا أن ذلك قول أبي حنيفة وجميع أصحابه. فقال المترجم: أما قول أبي حنيفة فصحيح، وأما قول أصحابه فباطل «(لأن منهم محمد بن الحسن، وليس ذلك قوله). قال المترجم:«ففهموا عني - أو جاءوا إفكا وزورا - أني حكمت ببطلان قول الإمام» ثم قال: «وأطلقوا على رد من تلفظ بذلك، وأطلقوا فتواهم مع ذلك القول، ولو فرض صدوره من مسلم لا يترتب عليه طعن في الدين، ولا إنكار ضروري من ضرورياته».
مع أن المترجم كان كما قال بعضهم في مثله: كان مقبلا على شأنه غير عارف بزمانه، وكما قال الشاعر:
كان لا يدري مداراة الورى ... ومداراة الورى أمر مهم
(١) قبجي: كلمة تركية بضم القاف وسكون الباء الموحدة.