الشرنبلالي، ثم رحل إلى مكة حاجا وأخذ بها عن الشيخ حسن بن مراد التونسي وعن الشيخ أحمد البشبيشي والشيخ أحمد القطان، والشيخ المرحومي وغيرهم.
وبعد أداء فريضة الحج مر بمصر وعاد إلى وطنه واستقر به مدة ثم خرج منه مغاضبا متوجها إلى القطر الجزائري فأخذ بعنابة عن الشيخ أحمد بن ساسي ومفتيها الشيخ الصديقي، وأخذ بقسنطينة عن مفتيها الشيخ بركات بن باديس شارح القصيدة الخزرجية في العروض، والشيخ علي الكمّاد، ثم ارتحل إلى مدينة الجزائر فأخذ عن المشايخ: رمضان بن مصطفى العنابي، وعلي بن خليل ومحمد بن سعيد قدورة (بالقاف المعقدة) وخاتمة تطوافه بالقطر الجزائري هي زواوة ببلاد القبائل وقرأ هناك على الشيخ محمد الفاسي، وأحمد بن عبد العظيم، وقرأ القرآن بالسبع على محمد بن صولة وقرأ على غيرهم.
وبعد هذه الجولة الواسعة عاد إلى تونس، وواصل التلقي على علماء عصره، فقرأ على الشيخ سعيد الشريف، والشيخ عبد القادر العيسي المطماطي وقرأ على الشيخ أحمد عزوز القرآن بالقراءات العشر من طريق الدرة لابن الجزري وبعد تخرجه سمي مدرّسا بالمدرسة الشماعية التي درس بها جدّه محمد من قبل، وعزل بعد مدة قليلة فاتخذه شيخه محمد المحجوب المفتي الحنفي معيدا أو معاونا له في دروسه بمدرسة يوسف داي، وفي الصلاة وخطبة الجمعة في الجامع المواجه لمقام سيدي محرز بن خلف، وهذه النيابة عن شيخه ابتدأ القيام بها من شعبان /١١٠٨ فيفري - مارس ١٦٩٧ وفي أول ذي الحجة /١١١٦ آخر مارس ١٧٠٥ صار إماما وخطيبا بهذا الجامع أصالة على أثر تخلي شيخه محمد المحجوب عن ممارسة هذه الخطة لفائدته وفيما بين ذلك سمي مدرّسا بالمدرسة العنقية، ودرس بجامع الزيتونة وبأماكن أخرى وأسند إليه بالخصوص تدريس الحديث في إحدى المدرستين اللتين أسسهما حسين بن علي باي، وهي مدرسة الجامع الجديد في حومة سوق البلاط.
وكان المترجم له من ألمع فقهاء الحنفية في عصره، مشاركا في عدة علوم، مجيدا للّغتين:
التركية والفارسية، ولوعا بالتدوين والتأليف، ولم تحمه معارفه والوظائف التي شغلها من الاضطهاد والإهانة ففي ٦ محرّم /١١١٤ جوان ١٧٠٢ أمر مراد بوبالة الثالث آخر ملوك المراديين بضربه مع كثير من فقهاء الحنفية إهانة لهم بعد أن قطع عنهم مرتباتهم بوصفهم من أفراد الجيش، وبعد أسبوع طيف برأس مراد بوبالة بتونس بعد قتله. وهكذا المترجم له كان من بين آخر الأشخاص الذين تأذوا من غضب مراد بوبالة وظلمه. وبعد زوال الدولة المرادية، وتقلب الأحداث في الدولة الحسينية وانتزاء علي باشا على الحكم بعد ثورته وقتل عمه مؤسس الدولة الحسينية حسين بن علي باي كانت نهاية المترجم له مؤلمة: أمر بسجنه علي باشا، وبعد مدة طويلة خنق في السجن على ما ذكره محمد الصغير بن يوسف الباجي في كتابه «المشرع الملكي» وذلك في ١٨ ذي القعدة ١١٣٨/ ١٨ جويلية ١٧٢٦.وعلي باشا قد فتك بكل من له صلة قريبة أو بعيدة بعمه لشهوته إلى سفك الدماء في غير تورع، ولظنه أن ذلك مما يوطد أركان دولته.