بالمخترعات والمكتشفات الحديثة، وكتب المذاهب الفلسفية والسياسية، ويقول مبررا لهذا:
أريد أن أفهم العالم الذي أعيش فيه، أريد فهمه ماديا وفكريا. وهو ذو نشاط دائب متواصل، فقد كتب في الصحف التونسية منذ سنة ١٩٣٠ في الشئون الاجتماعية والثقافية، وتراجم رجال معاصرين من تونس ومن الشرق ومنها «رشيد رضا الرجل الذي لا يعوّض» المنشورة بجريدة «الزهرة» سنة ١٩٣٥ وكان بعض أصدقائه يتندر عليه من أجل هذا العنوان والإفراط في تقدير الشيخ رشيد رضا، وكتب في القضايا الإسلامية وخاض معارك قلمية مع المنحرفين عن المنهج الإسلامي الذين حاولوا تسميم الأفكار وتشكيكها بالكتابة في الصحف، ومن أشهر هذه المعارك جداله الطويل مع الأستاذ محجوب بن ميلاد حول كتاب «من هنا نبدأ» المنشورة في أعداد متوالية من جريدة «الصباح» وتمتاز كتاباته بالأسلوب المشرق الجميل، والتفكير الواضح المنتظم، وقوة العارضة، والخيال اللطيف، وبعض من هذه الكتابات هو قطعة فنية لا يبليها طول الزمان.
وكان معجبا أيما إعجاب بتفكير الشيخ محمد عبده وتلميذه الشيخ رشيد رضا ومتأثرا بهما، وهو لا يحتمل أن يوجّه إليهما أدنى نقد، وكنت ألمّح أحيانا في حديثي معه عما على الشيخ محمد عبده ومدرسته من مآخذ في المنهج والاتجاه الفكري - وإن كنت مقدّرا لهما - فينبري كالسيل مدافعا عنهما وهو يعرف جزئيات حياتهما جيدا، وكتاب تاريخ الأستاذ الإمام للشيخ رشيد رضا يستشهد به كثيرا ويلم بما فيه لأنه من الكتب المحببة لديه فطالعه مرارا.
وهو واسع الثقافة يريد بمطالعاته أن يطلع على كل شيء وبجدّه واجتهاده ألم إلماما واسعا بالحركات الفكرية والمذاهب السياسية والفلسفة المعاصرة زيادة عن اطلاعه الغزير على الثقافة العربية الإسلامية وخبرته الجيدة بالتاريخ التونسي، وتراجم رجاله في العصر الحديث وروايته لكثير من طرائفهم ونوادرهم، يروي الكثير منها عن شيخه وصديقه محمد العربي الكبّادي - رحمه الله - وهو شديد الإعجاب به كثير الحديث عنه والتقدير لمواهبه العلمية.
أول محاضرة سمعتها منه عن جمعية الإخوان المسلمين ألقاها على منبر معهد البحوث الإسلامية بقاعة المطالعة بالخلدونية وقدمه الشيخ الفاضل ابن عاشور وأثنى على مواهبه العلمية وأسلوبه في البحث والكتابة وذلك حوالى عام ١٩٤٦.وللأخوان المسلمين إذ ذاك صدى غامض في الأوساط لا يتجاوز أنها مؤسسة إسلامية كبرى بمصر يرأسها الشيخ حسن البنّا، ومن خلال المحاضرة ارتسمت في أذهاننا صورة صحيحة عن هذه الجمعية وأسباب نشأتها وأغراضها وأهدافها ووسائلها في العمل وتنظيماتها وليس في ذلك التاريخ أية دراسة عن الأخوان المسلمين في شكل رسالة، وقد التقط معلوماته عن هذه الجمعية من خلال مطالعاته في الصحف والمجلات الشرقية فنسّقها وحللها وأخرجها في عرض جميل وثوب مشرق خلاّب.
وقد تعرفت به وأنا طالب بجامع الزيتونة، وكان لقاؤنا الأول بمنزل شيخنا الأستاذ محمد الشاذلي النيفر مدير كلية الشريعة وأصول الدين الآن، واستفدت من سعة اطلاعه وسداد