ولابن عبدون طرائف أورد الأخباريون كثيرا منها، وهي تدل على فرط ذكائه، قال الخشني:«كانت في القيروان طبقة تسمى بالركنية كانوا لا شغل لهم، فكان جلوسهم ومجتمعهم في ركن الجامع فلزمهم الاسم وكان الناس يدارونهم ويتقون السنتهم، وكان فيهم رجل يعرف بأبي القاسم المساجدي، كان خاصا بأبي العباس بن عبدون، وكان مقلا، وكان ابن عبدون يرفقه ويصله ويجدي عليه ويحسن إليه، فحسده سائر أصحابه من الركنية، واجتمع منهم أربعة في الادارة عليه لينقطع ما بينه وبين ابن عبدون قطيعة لا يكون بعدها وصل أبدا فأتى أحد الاربعة إلى القاضي ابن عبدون فجلس عنده وحادثه، ثم أخطر عن ذكر الصحبة والصداقة وقلة الوفاء، ثم قال له: «ما الذي حدث بينك وبين المساجدي»؟ فقال ابن عبدون: ما أعلم انه كان حدث في ما بيني وبينه شيء فما الخبر؟ فجعل الرجل يحيد له عن أن يخبره بشيء فلما كان بعد ذلك بيوم أتاه الثاني فجلس إلى ابن عبدون، وادار الحديث، ثم خرج إلى ذكر المساجدي فقال: قد كان المساجدي لك صديقا، وكنت إليه محسنا، ثم كان من أمره ما كان، فتحرك ابن عبدون وجعل يستقصيه عن حقيقة هذا الخبر، وذكر أنه لا علم له بشيء من ذلك فانزوى الرجل عنه وانقبض وحلف ألا يخبره اجلالا له وإعظاما، فلما كان في اليوم الثالث أتاه الثالث منهم والرابع فجلسا وتحدثا ثم قال له أحدهما ما ينبغي لأحد أن يثق بأحد، قد كان المساجدي لك وكنت له على أفضل حال ثم قد خرج فيك إلى ما خرج، فقال ابن عبدون: قد تكرر علي هذا الخبر من غير إنسان، وعلى غير لسان، وما أجد أحدا يخبرني بالحقيقة في ذلك فأخبرني بذلك فقد ضجرت من اكتتام الحقيقة عني في ذلك، فقال الرجل لا - والله - لا أفعل ولا استهين بك هذه الاستهانة فاستجاب الرابع وقال: لانك - والله - لا تحب القاضي ولا تنصحه إن كنت أنت لا تخبره فقال له ابن عبدون: هات، فقال الرجل: يقول المساجدي أنك خنثي وإن لك قرعة كقرعة النساء، فتلون وجه ابن عبدون، وصار يحلف ماله قرعة، ثم بلغ المساجدي فأتى منتصلا فوجد في قلب ابن عبدون مر التصديق ما قيل له عنه ما لا يعمل