قبلها. وقيل: هي أن تذكر شيئًا تحته أجناس، والمراد أحدها، فإذا أردت واحدًا منها بينته: كقوله تعالى: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان}[٢٢: ٣٠]. وغيرها. فلو اقتصر عليه لم يعلم المراد، فلما صرح بذكر الأوثان علم أنها المراد من الجنس، وقرنت بمن للبيان، فلذلك قيل: إنها للجنس. وأما اجتناب غيرها فمستفاد من دليل آخر، والتقدير: فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان، أي اجتنبوا الرجس الوثني، فهي راجعة إلى معنى الصفة. وهي بعكس التي للتبعيض، فإن تلك يكون ما قبلها بعضا مما بعدها فإذا قلت: أخذت درهما من الدراهم كان الدرهم بعض الدراهم، وهذه ما بعدها بعض مما قبلها، ألا ترى أن الأوثان بعض الرجس. منه قوله تعالى:{وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات}[٢٤: ٥٥]، أي الذين هم أنتم، لأن الخطاب للمؤمنين، فلهذا لم يتصور فيها التبعيض.
وقد اجتمعت المعاني الثلاثة في قوله تعالى:{وينزل من السماء من جبال فيها من برد}[٢٤: ٤٣].
فمن الأولى لابتداء الغاية، أي ابتداء الإنزال من السماء، والثانية للتبعيض، أي بعض جبال منها، والثالثة لبيان الجنس، لأن الجبال تكون بردا وغير برد ونظيرها:{ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم}[٢: ١٠٥]. فالأولى للبيان؛ لأن الكافرين نوعان: كتابيون ومشركون، والثانية مزيدة لدخولها على نكرة منفية، والثالثة لابتداء الغاية.
وقوله:{تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب}[١٨: ٣١]. فالأولى لابتداء الغاية، والثانية لبيان الجنس، أو زائدة، بدليل قوله:(وحلوا أساور)[٧٦: ٢١]. والثالثة لبيان الجنس، أو للتبعيض.
وقد أنكر قوم من متأخري المغاربة بيان الجنس، وقالوا هي في الآية الشريفة لابتداء الغاية؛ لأن الرجس جامع للأوثان وغيرها، فإذا قيل:(من الأوثان) فمعناه الابتداء من هذا الصنف لأن الرجس ليس هو ذاتها. وقيل: للتبعيض لأن الرجس منها هو عبادتها. واختاره ابن أبي الربيع، ويؤيده قوله:{والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها}[٣٩: ١٧].