للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن اشتبه على قومٍ ما دلَّسه (١) جُهَّال الصوفية عليهم من الأخذ بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «فِي أُمَّتِي مُحَدَّثُونَ وَمُلْهَمُونَ، وَعُمَرُ مِنْهُمْ» (٢). قيل: لو نطق عمر برأيه ما نطق، ولم يصدقه الوحيُ، لم يُلتفت إلى واقعاته وما يُحدِّث به، ولا يبتنى (٣) الشرع والأحكام على فراسته. ألا ترى إلى قول من هو خيرٌ منه: «أي سماء تُظلُّني وأي أرض تُقلُّني إذا قلت في كتاب الله برأيي» (٤)؟

سبحان الله العظيم! يقول الصدِّيق هذا، وأُسَلِّم اليوم لشيخ رباطٍ يخلو بأمرد على شمعة، ويأكل من الحرام شَبْعَه. ويسمع الغناء في مجالس المردان من النساء الأجانب والصبيان. تهزه الأشعار الخماريات، وتثقل عليه الآيات البينات. يرقص على ذكر المليح والمليحة طلبًا ورغبًا، ويتواجد على المواصيل (٥) والألحان طربًا، قد اتخذ دينه لهوًا ولعبًا. تقرب أولياء الله إليه بالقرآن، وتقرب هو باستماع المعازف والألحان. مفتون في نفسه، فاتن لأشباهه وبني جنسه. فإذا لُمتَ أحدهم قال: أنا خيرٌ أم الشيخ فلان!

وذاك ـ لعَمْرُ الله ـ من أولياء الشيطان، قد نصبه شبكة يصطاد به جهلة


(١) «ح»: «دله». والمثبت من «درء التعارض».
(٢) أخرج البخاري (٣٤٦٩) ومسلم (٢٣٩٨) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَقَدْ كَانَ فِيمَا قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَإِنَّهُ عُمَرُ».
(٣) غير منقوطة في «ح»، والمثبت من «درء التعارض».
(٤) أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص ٣٧٥) وسعيد بن منصور في «التفسير» (٣٩) وابن أبي شيبة في «المصنف» (٣٠٧٣١) وابن جرير في «التفسير» (١/ ٧٢) والبيهقي في «شعب الإيمان» (٢٠٨٢) عن أبي بكر الصدِّيق - رضي الله عنه -. وإسناده منقطع، ينظر «علل الدارقطني» (٥٨).
(٥) لعله يعني: الأغاني. وينظر «تكملة المعاجم العربية» (١٠/ ٧٦)