للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالقدر الإلهي نوعان:

أحدهما: في العلم والكتابة.

والثاني: خَلْقها وبرؤها وتصويرها بقدرته التي بها يخلق الأشياء، والخلق يتضمن الإبداع والتقدير جميعًا.

والمقصود أن كل موجودٍ فله قدرٌ، والعباد لا تقدر (١) الخالق قدره، والكفار منهم لا يقدرونه حقَّ قدره. ولهذا لم يذكر ذلك سبحانه إلَّا في حقهم، قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اُللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اَللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ} [الأنعام: ٩٢] وهذا إنما وصف به الذين لا يؤمنون بجميع كتبه المنزلة، من المشركين [ق ١١١ أ] واليهود وغيرهم. وقال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اُللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: ٩٢] ولم يقل: وما قدروا الله قَدْرَه. فإن حقَّ قدره هو الحق الذي لقدره، فهو حقٌّ عليهم لقدره سبحانه، فجحدوا ذلك الحق وأنكروه، وما قاموا بذلك الحقِّ معرفةً ولا إقرارًا ولا عبوديةً، وذلك جحودٌ وإنكارٌ لبعض قدره من صفات كماله وأفعاله، لجحودهم أن يتكلم أو يعلم الجزئيات أو يقدر على إحداث فعل، فشُبهات منكري الرسالة ترجع إلى ذلك: إمَّا إنكار علمه تعالى، أو إنكار قدرته، أو إنكار كلامه. فمن أقرَّ بما أرسل به رسله، وأنه عالمٌ به، متكلمٌ بكتبه التي أنزلها عليهم، قادرٌ على الإرسال، لا يليق بحكمته تركه؛ فقد قدره حقَّ قدره من هذا الوجه، وإن (٢) لم يقدره حقَّ قدره مطلقًا.


(١) «ح»: «يقدر». والمثبت من «م».
(٢) «ح»: «إن». والمثبت من «م».