للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومسموعٍ ومرئيٍّ وغيره.

وتُطلق الشهوة على الإرادة نفسها، فيقال لمَن له إرادة في الشيء ومحبة له: هو يشتهيه. كما يقال: فلان يشتهي لقاء فلان، ويشتهي قُربه، ويشتهي الحج. بل يقال لمن يريد ما تكره نفسه لمصلحةٍ أنه يشتهيه كما يقال: فلان يشتهي الشهادة في سبيل الله، ويشتهي شُرْب الدواء.

فنقول: أتعنون بالشهوة التي نفيتموها عن الله الشهوةَ الحيوانية، أم الشهوة التي هي أعمُّ، أم الإرادة والمحبة؟ فإن أردتم الأول فنفيُه حقٌّ (١)، ودعواكم لزومه ممَّا أثبته لنفسه من الفرح والرضى والضحك ونحوها؛ باطلةٌ، تتضمن الكذب والتلبيس.

وإن أردتم الثالث فنفيُه باطلٌ، وتوسُّلُكم إلى نفيه بتسميته شهوةً تلبيسٌ وتدليسٌ، ونفيٌ للمعنى الحق الثابت بتسميته بالاسم المستهجن في حقِّ مَن وُصف به.

وإن أردتم الثاني استفصلناكم عن مرادكم، فإن فسرتموه بما يمتنع وصفه به قبلناه، وإن فسرتموه بما وصف به نفسه قابلناه بالإنكار والردِّ، وإن فسرتموه بأمرٍ مجملٍ محتملٍ استفصلناه، فقبلنا حقَّه، ورددنا باطلَه.

وهؤلاء النُّفاة تجدهم دائمًا يعتمدون هذه الطريقة المتضمنة للتلبيس والتدليس، وينفون بها حقائق ما أخبر الله به عن نفسه. فيأتون إلى ألفاظٍ معناها في اللغة العربية أخصُّ من معناها في اصطلاحهم، فينفون معناها العام الذي اصطلحوا عليه، ويُوهمون الناس أنهم إنما نفوا معناها المعروف في


(١) «ح»: «حتى». والمثبت هو الصواب.