للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدرجة الثانية: منع الدلالة، وهذه الدرجة المسمَّاة بأن الأدلة اللفظية لا تُفيد اليقين، وقد تقدم فسادها من خمسة وسبعين وجهًا فيما مضى (١)، وبيَّنا أن هذا القول لا يجامع دين الإسلام، بل مناقضته للدين معلومةٌ بالضرورة بعد التأمل لحقيقته ولازمه.

الدرجة الثالثة: تسليم دلالته على ذلك ولكن يمنع كون قول الرسول حجة في ذلك. وهذه الدرجة ينزلها طائفتان: إحداهما من يجوز على الرسول أن يخاطب الأمة بخلاف ما هو في نفس الأمر لمصلحتهم. الطائفة الثانية من يعتقد أن لكلامه باطنًا يخالف ظاهره، وتأويلًا يخالف حقيقته.

فالطريقة الأولى للمتفلسفة ومن تتلمذ (٢) لهم، والطريقة الثانية للجهمية ومن اقتفى آثارهم. وكثيرٌ من المتأخرين يجمع بين الطريقتين، فيتفلسف تارةً، ويتجهم تارةً، ويجمع بين الإدامين تارةً! فهذه درجات المنع.

وأمَّا درجات المعارضة فثلاثة أيضًا:

إحداها: أن يعارض المنقول بمثله ويسقط دلالتهما، أو يرجح دلالة المعارض كما عارض الجهمي قوله: {اَلرَّحْمَنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوى} [طه: ٤] بقوله: {قُلْ هُوَ اَللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] وزعم أنه لو كان على العرش لم يكن أحدًا، وعارضه بقوله: {وَهْوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} [الحديد: ٤] وزعم أنه لو كان على عرشه لم يكن معنا، وعارضه بقوله: {اِلَّذِينَ يَحْمِلُونَ اَلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} [غافر: ٦]. وهذه معارضة


(١) في الرد على الطاغوت الأول (ص ٣٤٢ - ٤٧٠). وذكر فساده من ثلاثة وسبعين وجهًا.
(٢) «ح»: «يتلمذ».