للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الزمخشري في «كشافه» (١) قال: «وفيها التنبيه على أن الأمر لو كان كما يقوله المجسمة كان حملة العرش ومن حوله مشاهدين معاينين، ولما وُصفوا بالإيمان؛ لأنه إنما يُوصف بالإيمان الغائب. ولمَّا وُصفوا به على سبيل الثناء عليهم عُلم أن إيمانهم وإيمان من في الأرض وكل من غاب عن ذلك المقام سواء في إيمان الجميع بطريق النظر والاستدلال لا غير، وأنه لا طريق إلى معرفته إلَّا هذا، وأنه منزَّهٌ عن صفات الأجرام».

[فلو أنَّ] (٢) المجسم بزعمك جسَّم حقيقةً لما رضي لنفسه ولمن يخاطبه بمثل هذا الكلام الذي هو من أقبح الكلام وأبطله، ولشحَّ على زمانه وأوراقه أن يضيعه بمثله، ولمنعه وقار القرآن وعظمته في صدره أن يفسِّره بمثل هذا الكلام الذي هو كما قيل: «مثل حجارة الكنيف ترجع وتنجس». فقد صرَّح قائله بأن إيمان محمد بن عبد الله وإبراهيم الخليل وموسى الكليم وجميع الأنبياء والمرسلين إنما هو عن نظر واستدلال، وهم بسعادتهم قد سدوا جميع طرق الإيمان والمعرفة إلَّا طريق الجواهر والأعراض والاجتماع والافتراق وإبطال حوادث لا أول لها، وزعموا أن من لم يعرف ربَّه من تلك الطريق مات ولم يعرف له ربًّا ولم يُقرَّ بأن له إلهًا وخالقًا. وزادوا في الافتراء والكذب والبهت، فزعموا أن إيمان جبريل وميكائيل والملائكة المقربين وجميع المرسلين مبنيٌّ على هذه الطريقة، وأن إيمانهم كلهم سواء، وأنهم لا طريق لهم إلى معرفته إلَّا هذا النظر والاستدلال الذي وضعه لهم شيوخ الجهمية ومبتدعة المتكلمين وضُلال أهل الاعتزال. فهاهنا يسجد


(١) (٤/ ١٥٢).
(٢) «ح»: «فيكون». والمثبت لتستقيم العبارة.